هارتس : أشباح "الطنطورة" تطارد إسرائيل

0A4A0983-323E-4040-98A0-60987A26316C-e1608481804606.jpeg
حجم الخط

بقلم: جدعون ليفي

 

 



لن تتركنا أشباح الطنطورة إلى أن يموت آخر الشهود والأحفاد. لن تتركنا أشباح الطنطورة ربما أيضا إلى أن تخرج الحقيقة الى النور، وتعترف إسرائيل بها. هذا هو شأن الحقيقة، أنها لا تترك. رغم كل الجهود لإخفائها وتصفية من يكشفها إلا أنها تظهر كل مرة من جديد. الفيلم الوثائقي الصادم "الطنطورة" لألون شوارتز، الذي تم بثه نهاية الأسبوع في مهرجان "ساندنس" في الولايات المتحدة كان يجب أن يبث في مهرجان إسرائيل. يمكنه أن يؤدي الى راحة صحيحة للأشباح، وأن يجبر إسرائيل على الاعتراف أخيرا بالحقيقة. لن يحدث هذا بالطبع.
لم يكن هناك الكثير من الأسماء المحملة في طفولتي مثل "الطنطورة". كانت الطنطورة شاطئا رائعا مع البحيرات الزرقاء، حيث كنا نسافر إليه بعد أن اشترى والدي أول سيارة بأموال التعويضات التي حصل عليها من ألمانيا. السفر الى الطنطورة، من سمع في حينه عن شاطئ دوغا، كان أكثر إثارة من السفر الى نيويورك، الآن. ولكن لم يكن هذا فقط اللون الأزرق للمياه. لقد عرفت أن الرمال البيضاء مشبعة بالدماء. في الطنطورة، قتل جدعون بخراخ، الابن الوحيد للزوجين الطبيبين البينا وآرثر بخراخ، افضل أصدقاء جدي وجدتي. وقد تمت تسميتي على اسم جدعون المتوفى. عرفت أن شاطئ الطنطورة مشبع بدمائه. لم اعرف بالطبع أن هذا الشاطئ مشبع بالكثير من الدماء. وحتى لم أكن اعرف أن الطنطورة كانت قرية صيادين رائعة، قرية كانت في كل الدول سيتم الحفاظ عليها لمئات السنين، ولم يكن يخطر ببال أحد محوها عن وجه الأرض وطرد سكانها أو ذبحهم.
بعد ذلك، بدأت الشائعات عن المذبحة. المحامي ميخا فيتكون، ابن شقيق قاضي المحكمة العليا الفريد فيتكون، كان يوبخني بغضب كلما كنت أتجرأ على ذكر الشائعات. كان فيتكون صديق السلاح الجيد لجدعون في لواء أليكسندروني الذي احتل الطنطورة. أول من أمس، سمعت صوت فيتكون، الذي مات منذ فترة طويلة، وهو يتحدث في فيلم عن قائد الفصيل الذي قتل عربيا تلو الآخر بمسدسه في الطنطورة: "لقد اطلق النار عليهم واحدا تلو الآخر بمسدس برابيلون خاصته". ميخا الطويل، كما سماه أصدقاؤه والذي اعتبر شخصا مستقيما جدا كسر صمته. غبرئيل كوفمان، العجوز، يستمع لأقواله في الفيلم ويضحك بحرج. هو لا يتذكر. هو لا يصدق. هو لم يسمع. "هذا ليس طبعنا. أن نطلق النار بمسدس على الرأس، هذا بالضبط ما فعله الألمان".
فيلم "الطنطورة" يأتي بكل شيء. يأتي بالمحاولات اليائسة للنفي والإخفاء، ويأتي بالمؤسسة الأكاديمية والمؤسسة القضائية المجندة تماما والتي سحقت بكل قوة تيدي كاتس، الذي كتب تقريرا عن الطنطورة وتمت ملاحقته وإهانته الى أن اضطر الى نشر بيان استسلام. من المدهش رؤية آخر الشهود اليهود، في العقد التاسع من حياتهم، وهو يتلوون ويثرثرون وينكرون، الى أن يعترفوا في النهاية، تقريبا جميعهم، بالمذبحة، حتى لو كان دائما ليس باسمها. استراحة كوميدية يقدمها البروفيسور يوآف جيلبر في ظهور مثير للسخرية بشكل خاص، حيث يدهش بعرضه المؤسسة الأكاديمية الصهيونية بصورة غير مثقفة ومفترسة الى درجة الإحراج. جيلبر، بصورة متغطرسة وهو يقطر منه الرضا عن الذات، لا يصدق الشهود، لا أحد منهم. هو أيضا غير معني بسماع شهاداتهم. الشهادات بالنسبة له هي فلوكلور وليست تاريخا. أو القاضية المتقاعدة التي تحرص على طرح نفسها كـ"دكتورة درورا بِلبل". وهي تحمل كلبها الأبيض الصغير على ذراعيها، وتعترف بأنها لم تكلّف نفسها عناء الاستماع الى الشهادات عندما جلست في المحكمة في الدعوى ضد كاتس. أو ساحرات مكبيت، مجموعة من أعضاء "كيبوتس نحشوليم" المجاور، الذين صرخوا في الجوقة باستثناء واحد، بأنه لا يجب إقامة نصب تذكاري لمن تم ذبحهم؛ لأنه "إذا كان هذا مهما بالنسبة لهم فهو سيئ بالنسبة لنا". شاهدوا "الطنطورة" وانظروا الى منكري النكبة بكل بؤسهم. شاهدوا "الطنطورة" وانظروا الى ما حدث في 1948.
تحت المكان الذي اعتاد والدي أن يوقف سيارته عندما كنا نسافر الى شاطئ الطنطورة، غير بعيد عن النصب التذكاري الذي اقيم لذكرى قتلى لواء أليكسندروني، كان يوجد مقبرة جماعية، وربما لا تزال موجودة حتى الآن. هناك يد شريرة محتها.

عن "هآرتس"