في مثل هذا اليوم قبل 16 عاماً، عاش الفلسطينيون تجربة ثاني انتخابات تشريعية، أسفرت عن فوز مُفاجئ وساحق لحركة حماس، والتي أدت إلى تشكيل حكومة مشتركة مع حركة فتح؛ لكّنها لم تدوم طويلاً، وبعد اشتباكاتٍ طويلة بين الجانبين انتهى الأمر بسيطرة حركة حماس على قطاع غزّة، وحركة فتح التي تتزعم السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير على أجزاء من الضفة الغربية.
الانتخابات العامة الأولى
وأُجريت أول انتخابات عامة في فلسطين عام 1996؛ لانتخاب رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية وأعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني؛ وذلك طبقًا لقانون رقم (13) لعام 1995، وقد اعتمد القانون المذكور على نظام الأغلبية "الدوائر"، حيث كان الترشح فيه فردياً والانتخاب للأفراد بحسب عدد مُرشحي الدائرة.
كما تم إجراء أول انتخابات عامة في فلسطين، تحت إشراف لجنة الانتخابات المركزية التي تم تشكيلها، بمرسوم رئاسي بتاريخ 21 ديسمبر 1995، برئاسة السيد محمود عباس، حسب موقع لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية.
ورغم فشل محاولات التوافق الفلسطيني بين طرفي الانقسام حماس وفتح، إلا أنَّ الرئيس محمود عباس، أصدر مرسوماً رئاسياً بتاريخ 15 يناير 2021، لإجراء الانتخابات التشريعية بتاريخ 22 مايو 2021، والانتخابات الرئاسية بتاريخ 31 مايو 2021.
إلا أنّه سرعان ما أصدر مرسوماً رئاسياً بتاريخ 30 إبريل 2021، بتأجيل الانتخابات العامة، دون تحديد موعد جديد لإجرائها، وذلك بسبب منع دولة الاحتلال الإسرائيلي التحضير للانتخابات العامة وإجرائها في مدينة القدس المحتلة، وذلك حسب وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية.
ودفع فشل إجراء الانتخابات السياسية "التشريعية والرئاسية"؛ حركة فتح التي تتزعم السلطة إلى إجراء الانتخابات المحلية، والتي جرت المرحلة الأولي منها بتاريخ 11 ديسمبر 2021، في أجزاءٍ من الضفة الغربية، بينما منعت حركة حماس إجرائها في غزّة.
حركة حماس، وضعت 3 شروط رئيسية من أجل المشاركة والسماح بإجراء المرحلة الثانية من انتخابات الهيئات المحلية في غزّة، المقرر عقدها في مارس المقبل 2022، وأولها "إجراء انتخابات شاملة وبالتزامن أو بالتتالي"، وثانيها "أنّ تكون الانتخابات المحلية جزءاً منها وليست بديلاً عنها"، وثالث تلك البنود هو "تعهد مكتوب من الرئيس محمود عباس بضمان عدم إلغاء الانتخابات في اللحظات الأخيرة، وتراجعه عن التعديلات التي أدخلها على قانون الانتخابات المحلية".
الانتخابات حق دستوري للشعب الفلسطيني
الباحث والكاتب السياسي، وجيه أبو ظريفة، رأى أنَّ عدم إجراء الانتخابات العامة، لا يصب في مصلحة أحد من الحركة الوطنية والقوى والفصائل والأحزاب وحتى المجتمع المدني؛ وذلك نظراً لاحتياج الشعب لهذه الانتخابات.
وقال أبو ظريفة، في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "إنَّ ظروف كثيرة حالت دون إجراء الانتخابات؛ لكّن يجب أنّ لا يستمر التأجيل إلى الأبد، ولا بُد من إجراء الانتخابات؛ باعتبارها حق دستوري للشعب الفلسطيني، وليس من المعقول أن يتم مصادرة هذا الحق إلى الأبد".
ودعا إلى مواصلة الحوار بين حركتي فتح وحماس من أجل إجراء الانتخابات؛ مُعتقداً أنّه من غير المعقول الاستمرار في رفض إجراء الانتخابات، وحرمان الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه الدستوري؛ حتى ولو كانت على مستويات أدنى "الانتخابات المحلية".
وبالحديث عن محاولات تجديد الثقة والشرعية في الرئيس محمود عباس كرئيس لدولة فلسطين وليس كرئيس للسلطة الفلسطينية من جانب اللجنة المركزية لحركة فتح خلال اجتماعها الأخير، في سياق التحضير لعقد لجلسة المجلس المركزي المقررة في الـ6 من فبراير المقبل، قال أبو ظريفة: "إنَّ الرئيس عباس، تم اختياره كرئيس لدولة فلسطين من المجلس الوطني، وبالتالي لا داعي للتجديد في المجلس المركزي".
وأشار إلى وجود سوء فهم في بعض المعلومات التي خرجت للإعلام، مُتسائلاً: "لماذا يُعاد انتخابه في المجلس المركزي؛ خاصةً أنَّ المجلس الوطني أحال صلاحيته إلى المركزي بعد تخلي سليم الزعنون "88 عاماً" عن مهامه لدواعي التقدم السن".
وشدّد على ضرورة عقد المجلس المركزي لمنظمة التحرير جلساته بشكلٍ دوري، خاصةً في ظل وجود تحديات كبيرة تُواجهه، ليس من أجل الانتخابات، وإنّما من أجل الخروج برؤية سياسية فلسطينية واضحة واتفاق يُعالج كافة القضايا العالقة.
وأكمل: "وفي مُقدمة هذه القضايا تنفيذ قرارات المجالس المركزية السابقة؛ لأنّه لا يُمكن عقد دورات جديدة دون تنفيذ قرارات السنوات السابقة؛ إذا كانت هناك رغبة لتأثير جلسة الانعقاد"، مُؤكّداً في ذات الوقت على أهمية عقد الانتخابات في ظل المصالحة وتنفيذ قرارات المجالس المركزية.
أما عن البديل في ظل فشل إجراء الانتخابات بسبب الانقسام الفلسطيني، قال أبو ظريفة: يجب البحث عن حلول، لكي لا نكون أسرى لحلٍ واحد؛ لأنَّ الانتخابات مُهمة وحق قانوني، وقد تؤدي لإنهاء الانقسام المتعمق".
واستدرك: "لكّن ربما تأتي الانتخابات لتُعقد المسألة ولا تحلها، وبالتالي المطلوب أنَّ يكون هناك مصالحة والانتخابات تكون تتويجاً لتلك المصالحة لتشكيل نظام سياسي جديد".
بديل الانتخابات.. قيادة فلسطينية مؤقتة
من جهته، رأى الكاتب والمحلل السياسي، مصطفى الصواف، أنَّ المسؤول عن تعطيل إجراء الانتخابات العامة "التشريعية والرئاسية" هو من قرر إجرائها وإلغائها في الوقت ذاته؛ لأنّه يُدرك أنَّ نتيجة أيّ انتخابات لن تكون في صالحه.
وتابع الصواف، في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "شرعية الرئيس محمود عباس لا يمنحها أيّ تنظيم من التنظيمات، وإنّما الشعب الفلسطيني عن طريق صناديق الاقتراع التي تُقرر من سيقود المرحلة المقبلة".
واستدرك: "أما دون ذلك فلن يكون هناك شرعية سياسية لأحد في هذا المجال، ما لم تُجر الانتخابات بشكلٍ حر ونزيه، وهو الأمر الذي يخشاه الرئيس محمود عباس".
وبسؤاله عن البديل للانتخابات في ظل فشل المصالحة وتجذر الانقسام، قال الصواف: "طالما أنّه ليس هناك إمكانية لإجراء الانتخابات؛ ليتوافق الكل الفلسطيني على قيادة فلسطينية مؤقتة، ومن ثم قراءة كل ما يتعلق بالشأن الفلسطيني".
وختم الصواف حديثه، بالقول: "يجب إيجاد حالة من الشراكة الفلسطينية، لاتخاذ قرار يُحدد ملامح المرحلة المقبلة، وأنّّ لا يستفرد الرئيس عباس كما الآن بكافة مقاليد الحكم؛ في ظل حصوله على دعم أوروبي صهيوني لاستكمال ما تبقى من اتفاق أوسلو".