مشاهدات من المنخفض الجوي

صلاح هنية.jpg
حجم الخط

بقلم: صلاح هنية

تأبى البلديات، وليست كلها، بل بعضها أن تقوم بمهمتها على خير وجه في المنخفض الجوي لتثبت أنها الحاضر الأقوى والأقرب للناس، ومتابعة شؤونهم في المنخفض، حتى أن وزارات حكومية واجباتها وإمكانياتها تتعلق بفتح الطرق الرابطة ومداخل المدن والطرق الإقليمية، أولت الأهمية لجولات بروتوكولية للبلديات التي تفوقت وحضرت بقوة في تقديم الخدمات للمواطنين، وكأننا بحاجة لجولات العلاقات العامة في هذا المنخفض.
طبعاً لم تتساوَ البلديات في الأداء، ولم يرتق تقييم أدائها إلى المستوى المطلوب لدى البعض، وهذا يتضح من خلال التعليقات على صفحات التواصل الاجتماعي للبلديات، مثل: «لم تفتحوا طريق بيتنا ذات الكثافة السكانية»، و»طلبنا مساعدتكم لسحب مركبتي لم تتحركوا»، وأنا سعيد أن التركيز كان على المستشفيات والعيادات ومخارج الدفاع المدني، وتسهيل حركة شركات الكهرباء والمياه، وهذا معيار التقييم وليس «باب بيتي ومركبتي وأريد نقل حماتي»، بل الأساس نقل مرضى الكلى إلى المستشفيات والحالات المرضية والمسنين والمرضى.
ونحن على أبواب انتخابات بلدية قادمة يجب أن ننتبه ونستخلص العبر. للبلديات أدوار محورية تقوم بها، ولذلك هي بحاجة لاختيار حكيم لقيادتها، فما عشناه في اليومين السابقين يثبت هذا التوجه تماماً، بالتالي حسن الاختيار هو الجوهر وتوسيع التمثيل أمر مهم، لا يعقل أن يتم اختيار من لا يستطيع أن يقف في مثل هذه الظروف، من لا يستطيع أن يقدم على تدفئة المدارس، ومن يتمسك بخدمة الكهرباء في البلدية ولا يستطيع أن يقوم بها.
ليس كافياً أن نضع معيار حسن الاختيار بعموميات، ومن ثم نقع في شر أعمالنا فنختار بخلفية العائلة والعشيرة، ونغيب الكفاءة أو نفترض أن الكفاءة تتمثل بوجودهم، لقد أبدعت بلديات معينة برفع سقف الأداء وتوسيع صلاحيات البلديات بشكل واضح، فكيف بنا نأتي بمن هم ليسوا أهلاً لبلوغ هذا السقف ورفعه أكثر، فالقضية ليست وجود جهاز تنفيذي رائع ومبدع، بل الأساس قيادة قادرة على الحفاظ على هذا الجهاز التنفيذي المميز.
شاركت قبل أسبوعين في لقاء حول دور البلديات في التنمية الاقتصادية، وكانت المحاور في الدراسة متعددة، لكنها تسلط الضوء على دور البلديات في هذا الاتجاه، الأمر الذي فتح آفاقاً واسعة أمام البلديات للعمل، وهذا تمرين مهم يسلط الضوء على أن البلديات لم تعد منبراً للتمثيل العشائري والعائلي، بل مكان للعمل والإبداع والتمييز، وقد تتحول إلى مكان لتعطيل العمل إذا لم نحسن الاختيار، فتتنافر الناس في المجلس وتضيع البوصلة، وتصبح البلدية كأنها مكتب محاماة كل يوم نحمل الملفات إلى القضاء أو رسالة توضيحية قانونية إلى وزارة الحكم المحلي لتوضيح موقف، وتضيع المدينة في خبر كان.
في المنخفض الجوي أثبتت شركات الكهرباء أنها الأكثر قدرة على إدارة القطاع، بعكس معظم البلديات والمجالس القروية التي تصر على الاحتفاظ بإدارة قطاع الكهرباء، وتظل خارج الإلزام من قبل جهات الاختصاص، وتزيد مديونيتها وتقل كفاءة إدارة هذا القطاع، ولعل ما شهدناه من كفاءة شركات الكهرباء في هذا المنخفض أمر يجب أن يبنى عليه، على ألا يترك لهم العنان في موضوع التعرفة ورسوم الربط والمبلغ المقطوع في الفاتورة.
ويبقى المواطن هو الأساس في هذه المعادلات، بحيث يشارك بفاعلية في انتخابات البلديات الأسابيع القادمة ليكون مؤثراً وفاعلاً في اختيار ممثليه، وألا نعود للسيناريو السابق مدن كبرى وبلديات كبرى بنسبة مشاركة 22%، وبلديات كبرى يحدث فيها توافق ونصمت ومن ثم نبدأ الحديث عبر مواقع التواصل الاجتماعي: «تباً للتزكية».. ونحن من وافق عليها، يجب أن نكسر القوالب السائدة هناك: من هو وصي علينا يستطيع أن يفصل لنا قوائم أفضل منا.
المواطن يجب ألا يغيب ويحضر كل أربعة أعوام، فهو من حقه أن ينعم باجتماعات مفتوحة بينه وبين المجلس البلدي والإدارة التنفيذية، من حقه أن يقدم شكواه وأن تلقى آذاناً صاغية وألا يستخف بأي شكوى، هناك مواطن لا يرى في مدينته إلا رصيفاً مغلقاً بصراف آلي لبنك وهذا شغله الشاغل، وآخر لا يرى في المدينة إلا شأن حيّه وأحياناً يعتبر هذا مغالطة ولكنه على صواب حتى تثبت البلدية أن الأمر ليس بهذا الحجم. هناك مواطنون ينشغلون بنزول عمارتهم السكنية، الذي تحول فجأة إلى حالة من الكثافة المرورية في شارع سكني وليس رئيسياً، فلا تستكثروا عليهم هذا الاهتمام.
البلديات وسعت صدرها في هذا المنخفض وشركات الكهرباء أيضاً وهذه ميزة إيجابية، رغم أن بعض البلديات ما زالت تمارس اعتبار طلبات المواطنين في المنخفض كنوع من الدلع غير المبرر، وهو ليس كذلك أبداً.