ماذا لو… لم تُقدِم حماس على العملية التي غيّرت وجه الشرق الأوسط؟
لنتخيل معاً أن حدث السابع من أكتوبر من العام 2023. لم يحدث . ماذا سيحدث ؟؟؟
اليوم، نفتح الحوار، لمناقشة سيناريو “لم يحدث”، ليس دفاعًا عن ـحد ولا إدانة لأحد…بل محاولة للفهم: بهدف التقيم واستخلاص العبر لقوم ما زالوا لا يعقلون.
الحالة الفلسطينية ما قبل السابع من أكتوبر:
منذ سنوات، كانت غزة تعيش بين حرب وأخرى…هدوء وحرب بين الفينة والأخرى، تهدئة مقابل تهدئة، بعد كل حرب طاحنة بلا أي ثمن سياسي، إضافة لأزمات كثيرة ومعاناة أرهقت الإنسان في قطاع غزة، معدلات الفقر التي تطالت غالبية أبناء قطاع غزة، والبطالة الهائلة، وأزمة الكهرباء، والغلاء بسبب الضرائب الباهظة التي كانت تفرضها حماس ويدفعها المواطن الغزي مرتين، بسبب الانقسام والصراع على السلطة، إضافة إلى الصراعات الداخلية، التي خلفت الأحقاد والكراهية بين أبناء الشعب الفلسطيني.
وفي المقابل، الاحتلال كان وما زال يستهدف الضفة الغربية والقدس ويتوسع في الاستيطان ويصادر الأراضي، في المقابل، صمت حماس سيجعلها في مأزق سياسي داخلي، وسيزيد من الضغط الشعبي المتصاعد عليها سيما في غزة، بسبب فشلها في إدارة القطاع، وفرض الضرائب الباهظة على السكان، وعدم قدرتها على توفير أدنى مقومات الحياة للناس، إضافة إلى أزمتها أمام مقاتليها بسبب الأيديولوجيا التي زرعتها في عقول هؤلاء المقاتلين عن وعد الآخرة.
فضلًا عن الانتقادات التي ستوجه لها بسبب تخزين وتكديس السلاح على حساب قوت الشعب، دون جدوى، ودون مقاومة فاعلة.
بالمقابل حكومة نتنياهو تمضي في مشروعها لتهويد العمق التوراتي لما يُسمّى “الدولة اليهودية”، وفقًا للعقل التوراتي الصهيوني.
في الوقت نفسه، تتصاعد قوة اليمين في إسرائيل دون أي مقاومة أو فعل سياسي فلسطيني، بسبب الأزمات العميقة التي خلفها الانقسام.
في ظل هذه الصورة القاتمة، كان أمام حماس خياران: إما أن تتريث وتُراكم قوتها بصمت، أو أن تذهب إلى تلك المواجهة الرهيبة.
لكن، في حالة الصمت، ومع استمرار إسرائيل في تحقيق أهدافها بتوسيع الاستيطان وتهويد الضفة، والقدس، سيتراكم الغضب على حماس.
والسؤال ماذا لو لم تُقدِم حماس على عملية السابع من أكتوبر؟
1-إسرائيل تمضي نحو “التطبيع الشامل”:
بقاء الوضع كما هو عليه وسيمهّد هذا لتطبيع إسرائيل مع من تبقي من الدول العربية والدول الإسلامية الكبرى، والأهم توقيع اتفاق سلام بين السعودية وإسرائيل، يطوي ما تبقي من القضية الفلسطينية”
وغزة تواصل الغرق: لا إعمار حقيقي، لا انفراجة اقتصادية، لا أفق سياسي، وتصاعد موجات الهجرة بين الشباب من قطاع غزة، وتنتج المرحلة جيلاً جديداً يُولَد من تحت الحصار، ويموت دون اي أفق وبلا أي مستقبل.
بالمقابل الضفة الغربية يتم مصادرة ما تبقي من أراضيها، والمستوطنات تتوسع أكثر، والسلطة تضعف تمهيدًا لتحويلها إلى سلطة خدمات مدنية وأمنية فقط.
والسيناريو الأخر: في ظل نجاح إسرائيل في تحقيق أهدافها في الضفة والقدس، ومصادرة ما تبقى من الأراضي، وإنهاء السلطة ببعدها السياسي، هذا سيدفع المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين القومي والديني.
وهذا سيمنح نتنياهو فرصة كبرى لتقويض مؤسسات الدولة، كالقضاء والجيش والأمن، لصالح سلطته المطلقة، وصولا لتحقيق هدفه بدولة يهودية دينية قومية لليهود.
وقد يؤدي ذلك إلى صراع داخلي في المجتمع الإسرائيلي، الذي يتكوّن من فسيفساء متناقضة: أرثوذكس قوميون، أرثوذكس متدينون، علمانيون، يساريون، دروز، عرب، مهاجرون متهودون من ديانات وأعراق أخرى، إضافة إلى الأقليات مثل الشركس، والأرمن وأخرون .
هذه التناقضات كانت مرشحة للاشتباك الداخلي، وقد تسهم تباعاً في زعزعة إسرائيل من الداخل، وربما تُعجِّل بزوالها.
والسؤال الأهم: هل كان بالإمكان أن تذهب حماس إلى خيار وطني ثالث؟
نعم، ولكن…
الخيار الثالث كان يتطلب إرادة وطنية حقيقية من قبل السلطة وحماس معًا، وأن يتنازل الطرفان، ويذهبا إلى وحدة وطنية حقيقية، ويتفقوا على برنامج نضالي عنوانه تحييد السلاح، والبدء بانتفاضة شعبية سلمية شاملة.
انتفاضة تشمل كل أشكال المقاومة السلمية: المقاومة بالمقاطعة، المقاومة السياسية والدبلوماسية، تبدأ بإعلان دولة فلسطينية تحت الاحتلال، تفعيل وتعزيز العمل النضالي والسياسي في الجاليات الفلسطينية في المنظومة الغربية، وتوحيد الجهد الإعلامي، بخطاب سياسي نضالي موحد.
خطاب يشمل الإعلام المرئي، والإذاعي، والإعلام الرقمي بكل اللغات، وخاصة باللغات المؤثرة: الإنجليزية، الفرنسية، والعبرية، بهدف التأثير على المجتمع الإسرائيلي المتناقض والمتهالك.
لكن الحقيقة أن حماس، المرتبطة بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وببعض الأنظمة الإقليمية، من الصعب أن تتنازل أو تذهب لهذا الخيا، وفي المقابل، منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة لا تملكان الإرادة السياسية للتنازل والذهاب نحو اتفاق مع حماس لإنجاز مشروع وحدة وطنية، والتوافق على برنامج نضالي سياسي.
لذلك، وبعيداً عن افكار المؤامرة، اختار الأخ يحيى السنوار ورفاقه قلب الطاولة على الجميع، ولا أحد يقول لنا أن قيادة حماس كانت تعلم بهجوم السابع من أكتوبر ..إلا إذا كشف المستقبل أشياء لا تعلمها .
في النهاية، السابع من أكتوبر فتح بوابة لا يمكن إغلاقها…غيّر شكل الصراع، وكشف هشاشة المعادلات، لكنه أطلق على شعبنا آلة حرب مدعومة من المنظومة الغربية لا ترحم.
والخطير في ظل فشل الطبقة السياسية الفلسطينية، تبقى القضية الفلسطينية هي الخاسر الأكبر، ويبقى المواطن الفلسطيني هو من يدفع الثمن… بلا ثمن.