إسرائيل اليوم – قصة غرام شرق أوسطية

حجم الخط

إسرائيل اليوم – بقلم  يوآف ليمور 

 

تنشغل وسائل الاعلام والزعماء في العالم في الايا-م الاخيرة بالتوتر المتصاعد بين روسيا واوكرانيا، لكن في منطقتنا بالذات تنشأ دراما امنية مع غير قليل من المعاني لاسرائيل ايضا. 

في خلفية الامور، الحرب الاهلية المتواصلة في اليمن بين الحوثيين – او كما يسمون أنفسهم: المجلس السياسي الاعلى – المدعومين من ايران، وبين حكومة اليمن، والتي وان كانت فقدت السيطرة في قسم من اراضي الدولة، الا انها لا تزال معترف بها من معظم دول العالم، ومدعومة اساسا من السعودية واتحاد الامارات. 

في الاشهر الاخيرة شددت قوات التحالف التي يقودها السعوديون هجماتهم على معاقل الحوثيين. ولم يتأخر الرد في المجيء: صواريخ نحو عاصمة السعودية، الرياض، مثلما حصل غير مرة في الماضي، والجديد – هجمة مزدوجة، مركزة، على ابو ظبي، عاصمة الامارات واهمها. في الهجمة الاولى قتل ثلاثة مواطنين اجانب واصيب ستة باصابة مُسيرات هجومية، وفي الثانية اعترض صاروخان باليستيان اطلقا نحو المدينة. 

أوضح الناطقون بلسان الحوثيين بان هذه سياسة جديدة. “اعطينا الامارات فرصة للانسحاب”، قال مسؤول حوثي لوسائل الاعلام العربية. “لم يأخذوا بنصيحتنا وعليه فنحن ننصح المستثمرين في الامارات بالمغادرة، لان الدولة لم تعد آمنة لهم”.

الصين وروسيا تلاحظات الفراغ

يهبط رئيس الدولة اسحق هرتسوغ في ابو ظبي يوم الاحد وستكون هذه زيارة رسمية اولى لرئيس اسرائيلي الى الامارات، تواصلا للزيارات العالمية التي اجراها في الاشهر الاخيرة رئيس الوزراء بينيت ووزير الخارجية لبيد، والزيارة السرية التي اجراها مسؤولون كبار في جهاز الامن.

هذه الزيارات، وكثافتها، تظهر بعضا من قصة الغرام العاصفة التي تخوضها اسرائيل مع الامارات. من يتابع الشبكات الاجتماعية لامير حايك، السفير النشط في ابو ظبي، يتلقى زاوية نظر اخرى على عمق العلاقات التي تبنى، وعلى التبادلية التي فيها:  الاماراتيون متحمسون بقدر لا يقل عن اسرائيل لتجذير وتطوير العلاقات حديثة العهد – في الامن، في الاقتصاد، في الزراعة، في التكنولوجيا وفي الواقع في كل مجال ممكن. للامارات يوجد شيئان مركزيان تعطيهما لاسرائيل – موطيء قدم سياسي هام في العالم السُني المعتدل، والمال. الكثير من المال. أما هم فمعنيون بمقابلين عظيمين – الامن على انواعه المختلفة وقدرة الوصول الى واشنطن. الموضوع الثاني، الامريكي، فات قليلا في الاشهر الاخيرة، وليس بذنب اسرائيل؛ فادارة بايدن متحمسة اقل من سابقتها للربت على اكتاف الزعماء في الخليج، لاسبابها. هذا ايضا هو السبب في ان آخر التقديرات في اسرائيل هو انه اذا لم تطرأ انعطافة دراماتيكية غير مرتقبة، فان السعودية لن تسارع الى اخراج علاقاتها مع اسرائيل الى النور. 

لقد تلقت البرودة في علاقات واشنطن – ابو ظبي تعبيرا عمليا في الشهر الماضي، مع البيان عن تجميد الصفقة لبيع طائرات اف 35 للامارات. فقد سعى الامريكيون لان يقيدوا جدا استخدام الامارات للطائرات، وفي الامارات ادعوا بان هذه محاولة لابتزازهم على خلفية العلاقات الاقتصادية المتفرعة التي يقيمونها مع الصين- التحدي الامريكي المركزي المعلن. 

من خلف هذا التوتر – الكفيل بان يحل، فبعد كل شيء يدور الحديث عن مفاوضات تجارية – توجد ايضا مسائل استراتيجية اقليمية ثقيلة الوزن. فالامريكيون يوجدون في مسيرة متواصلة لهجر الشرق الاوسط: بدأ هذا في ادارة بوش، تواصل لدى اوباما وترامب – ووصلت ذروته في الادارة الحالية، مع الانسحاب المفزوع وعظيم الضرر من افغانستان، ومع الانسحاب الزاحف عظيم الضرر بقدر لا يقل من العراق. 

لا يخفي الامريكيون حقيقة أنهم ملوا الشرق الاوسط وملوا الحروب (وليس بالضبط  بهذا الترتيب). وقف تعلقهم بالنفط العربي، الاهتمام المتزايد بالصين (وبروسيا) والتحديات  الداخلية (الاقتصاد، وفي السنتين الاخيرتين الكورونا ايضا)، تركت لواشنطن اهتماما قليلا جدا بوجع الرأس الذي لا يتوقف من الشرق الاوسط. وكما هو الحال دوما، يمتنعون عن فهم ما هو مفهوم من تلقاء ذاته: من يهرب من الشرق الاوسط – يلاحقه الشرق الاوسط.

في هذه الاثناء، بقيت في المنطقة غير قليل من الدول المكشوفة. فلئن كان واضحا في الماضي بانه على كل جنون  لازعر في الحارة  كهذا او ذاك (صدام حسين في الكويت، القاعدة، داعش) سيأتي الشرطي  الامريكي  ليفرض النظام، فان الاحساس في العواصم العربية اليوم هو أنهم نسوهم في البيت. عندما هوجمت السعودية في ايلول 2019 بعشرات الصواريخ والمسيرات من ايران – وتكبدت ضررا جسيما لشركة النفط الوطنية فيها، أرامكو- لم تفعل واشنطن شيئا رغم معرفتها بان ايران هي التي نفذت الهجوم من اراضيها. 

وهذا هو الاحساس اليوم ايضا، وليس فقط في الرياض بل وفي الامارات ودول اخرى ايضا. صحيح ان الامريكيين يحتفظون في المنطقة بقوة عسكرية هامة وقيادات كبرى، ولكن احتمال ان يخرجوا لحماية الانظمة طفيف جدا. من يشخص هذا الفراغ هما الصين وروسيا، واكثر قلقا بكثير – ايران. على عادتها، تعمل طهران بكل الطرق بالتوازي: تدير محادثات دبلوماسية على مستويات مختلفة مع الانظمة السنية وتهاجمها من خلال فروعها (من اليمن اساسا). 

بالنسبة لاسرائيل تنطوي هذه التطورات على مخاطر وفرص. فالضعف الامريكي سيء لاسرائيل وجيد لاعدائها، وهو ايضا يزيد الاحتمال في ان تتعاون دول مختلفة مع ايران كي لا تكون عرضة للهجمات منها. لكن بالتوازي فانه يفتح ثغرة لزيادة النفوذ الاسرائيلي في المنطقة ولخلق تحالفات هامة تنصب امام الايرانيين سورا قويا من كل اطراف التحالفات. 

الاماراتيون لا يحتاجون للجيش الاسرائيلي ليحميهم. اذا حصل هذا في المستقبل، فان الطرفين لا بد سيسعيان لان يبقيا هذا في الظل، بالضبط مثلما تفعل مصر بالنسبة لمئات الهجمات  التي نفذها في السنوات الاخيرة سلاح الجو ضد محافل داعش في سيناء، وفقا لمنشورات اجنبية. هم بالفعل يحتاجون الى المنظومات والعلم الاسرائيلي، بحيث يرتفع مستوى قدراتهم للدفاع عن أنفسهم  بأنفسهم.

توجد غير قليل من مثل هذه المنظومات، ابرزها القبة الحديدية. تمتنع اسرائيل حاليا عن بيعها للامارات، وتخطيء في ذلك إذ ان الربح السياسي – الامني – الاقتصادي سيكون هائلا مقارنة بالتخوف (الصغير نسبيا على حد قول الخبراء) من تسرب العلم والتكنولوجيا. ستكون هذه ايضا فرصة لجهاز الامن ليتصدى بشكل افضل للاسلحة الايرانية الحديثة بتطوراتها المختلفة – صواريخ جوالة، مقذوفات صاروخية، ومسيرات وغيرها – والتي تنشر الان جدا في المنطقة، وستلتقينا في موعد ما هنا ايضا. 

أمواج في البركة الامريكية

خير تفعل اسرائيل اذا ما عادت ومنحت رخص لبيع قدرات السايبر الهجومي في الخليج. فالخوف من الغضب الامريكي واضح، لكن اسرائيل هي دولة ذات سيادة، ينبغي لها أن تحرص قبل كل شيء على مصالحها. التخوف الاساس هو ليس فقط من انهيار بضع شركات اسرائيلية، ومن فرار ادمغة مميزة الى دول وشركات اجنبية، بل من انتقال دول الخليج من الاستناد شبه الكامل الى التكنولوجيا الاسرائيلية الى الاستناد الى التكنولوجيا الصينية. بشكل مفاجيء هذا يقلق واشنطن بقدر اقل حاليا؛ بعد ان يصحوا هناك سيكون هذا اقل مما ينبغي ومتأخر اكثر مما ينبغي. 

يثور الانطباع بان اسرائيل تخشى من انتاج موجات في البركة الامريكية، كي لا تخرب على مساعيها للتأثير في مسألة النووي. هذا خطأ، وليس فقط لان الامريكيين وان كانوا سينصتون ولكنهم لن يسمعوا، وبالتأكيد لن يفوتوا اي عائق او لغم في طريقهم الى اتفاق يتحقق (اذا ما تحقق)،  هذه فرصة حقيقية، قد تكون لمرة واحدة، لرفع دراماتيكي لمكانة اسرائيل في المنطقة – في مواجهة ايران اياها والتهديدات المحدقة منها اياها.