لسنا متأكدين من جدية تعامل الموقعين من أصحاب الشأن على مواثيق الشرف، ومنها ميثاق الشرف الخاص بموقع المرأة في الانتخابات المحلية. ولسنا متأكدين من احترام الجميع لتعهداتهم وتواقيعهم باستحقاق التوقيع. فالواضح أن الوعود والتعهدات في الواقع المحلي أصبحت من الماضي، وليس لها من قيمة سوى خدمة اللحظة التي يتم فيها التوقيع، فلم نر أي أثر واضح للالتزام أو ترجمة له على أرض الانتخابات.
ونحن على أبواب تقديم القوائم لانتخاب 102 مجلس محلي في المناطق المصنفة (أ) و(ب) في الضفة الغربية، دون شمول الانتخابات قطاع غزة؛ بسبب مقاطعتها من قبل حركة حماس، مع الإشارة إلى أن 60 مجلساً منها من بواقي المرحلة الانتخابية الأولى في المناطق المصنفة (ج) التي امتنعت عن المشاركة في الانتخابات لأسباب خاصة بالمجالس المُشار إليها، والباقي هي المجالس في المدن والبلدات الكبيرة التي تتكون مجالسها من 13 و15 عضواً وعضوة.
على أبواب تقديم القوائم يمكن الاسترشاد بالأرقام؛ كونها أصدق إنباءً من التوقيع الورقي، فالأوراق عادة تُمَزَّق وتُفْرم، وليس أدلّ على الإيفاء بالتوقيع سوى ما يظهر للعيان من خلال القوائم، سواء الأحزاب والفصائل، أو القوائم المقدمة من العشائر والعائلات، أو القوائم الائتلافية بين المستقلين والعائلات، أو القوائم المختلطة بين جميع المكونات المذكورة، سنرى ونلمس أنها لم ترتقِ إلى مستوى التعهد المأخوذ بما يؤدي إلى فقدها مصداقيتها أمام من وقّعت أمامهم، كالاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، وطاقم شؤون المرأة، كونهما عبارة عن ائتلافات بين الأطر النسوية التابعة للأحزاب التي تبلغ نسبتها في قاعدتها عموماً أكثر من الربع!
تشير المُعطيات إلى أن نسبة النساء في القوائم المرشحة في كانون الأول الماضي قد عادلت 25% من حجمها، بينما بلغت في انتخابات 2017/2018 نسبة 26.3% بما فيها القائمة النسوية في برقة. وربما سيدعي البعض أن المقارنة غير واردة ولا يمكن اعتمادها كمؤشر بشكل كامل؛ لعدم أخذها في الاعتبار معطيات الانتخابات القادمة في نهاية آذار 2022، وأنا أدعم هذا الادعاء. لكن يمكن الاستناد إليه؛ حيث التراجع تجاه حقوق المرأة يخترق جميع المواقع الجغرافية، بحيث أصبحت الفروق الحضارية شكلية وقشرية بين المناطق المصنفة (ج) مع المصنفة (أ) و(ب).
واستناداً إلى معطيات انتخابات المرحلة الأولى، التي وقعت في مناطق يغلب عليها الطابع العشائري، مقارنة بالانتخابات المحلية القادمة التي سيغلب عليها الطابع السياسي بامتياز، بسبب خوضها من قبل الأحزاب السياسية المتواجدة تاريخياً، وربما نفترض أن يلاقي الالتزام بتعهدات الميثاق فرصة أوسع للنفاذ والارتقاء بتجسيد التعهد من قبل الموقعين عليه من قوى منظمة التحرير الفلسطينية، دون التغاضي عن خوض الانتخابات من قبل مكونات أخرى ناشئة، أو تقديم القوى الاجتماعية والحراكات قوائم خاصة بها تعكس التحولات والتغييرات الجارية بتؤدة على الخارطة التنظيمية القاعدية، الأمر الذي يشير إلى أهمية التعاطي من قبل الحركة النسائية مع المكونات الجديدة، والفاعلين الجدد لجهة المرأة ودورها وثقلها في مجال الحكم المحلي.
من جانب آخر، ومن ضمن الملاحظات المستخلصة من دروس وعبر الانتخابات المحلية السابقة، ومنها ملاحظة أن التنافس الشديد في الانتخابات يؤدي إلى إقصاء المرأة بسبب الفكر الذكوري؛ حيث لا يزال البعض منا ينظر للمرأة ككائن دخيل على المشاركة العامة والسياسية، وأن هذا الكائن يتعدى على حصة الرجال دون وجه حق بناء على فكر مترسخ بتقسيم العمل المبني على أساس الجنس والفروق الفسيولوجية.
وكذلك وعلى أبواب الانتخابات المحلية القادمة، لوحظ أثناء مرحلة الدعاية الانتخابية إخفاء صور المرشحات الذي يمكن تصنيفه كانتهاك حقوقي ضد النساء، وقد تم توثيق تورط عديد الفصائل والأحزاب السياسية في طمس صور وأسماء المرشحات في قوائمها، وإن كان ثمة تفهُّم للأمر كثقافة سائدة، لكننا لن نتفهم اعتبارها قدراً لا رادّ له، ونرفض اختراقها التنظيمات بما فيها التقدمية واليسارية، سواء في صحوة أو غفلة، دون أن نتوقف أمامها ونعالجها من جذورها. فما كان لها أن تصل لهذه الحالة من التماهي مع الفكر الرجعي والإقصائي لو تم التوقف أمام ظواهر ومظاهر كانت آخذة بالزحف عليها وقامت بالتصدي لها بجدية بالتوعية والتثقيف من جذورها، كونها تشكل خطراً وجودياً على مبادئ وفكر وبرنامج التنظيمات ويمسّ هويتها الفكرية والاجتماعية.
ولا بأس من تكرار المكرر، بأن السلطة التنفيذية، التي ما زالت تمتنع عن تنفيذ قراراتها ومنها قرار تخصيص مقاعد للمرأة بواقع 30%، أو تقوم بتنفيذه على أقساط كما فعلت بقانون الانتخابات العامة، حيث بخلت على نصف المجتمع بـ 5% من الحصة المقررة بإقرارها 25% فقط من القرار، دون مسوغ أو معنى سوى التردد الفكري والمساومة على الهوية الفكرية، وعلى المبادئ المقرة في وثيقة الاستقلال ممثلة بالتعددية والمساواة والعدالة وترسيخ الديمقراطية، وأن نتفاجأ بهبوط نسبة المشاركة النسوية عمّا تحقق في المناطق المصنفة (ج) بسبب أن حصة المرأة في المجالس المشكلة من 13 عضواً وعضوة تعادل حوالى 15% من العضوية، بينما المجالس المشكلة من 15 عضواً وعضوة فنسبة المرأة لا تتجاوز 20% من العضوية.
مواثيق الشرف يمكن لها أن تشكل أداة قياس لرصد الالتزام بمحدداتها، ولكنها لن تفعل شيئاً إزاء التدهور الحاصل على الصعيد الثقافي وتغيير الأنماط السلوكية ما دامت تُوَقَّع دون إيمان بالفكرة والقناعة بها، بل تستخدم لغايات دعائية ولحظية ليس أكثر.