هآرتس – لقد هربت الدولة من رازي بركائي

0A4A0983-323E-4040-98A0-60987A26316C-e1608481804606.jpeg
حجم الخط

هآرتس – بقلم جدعون ليفي

لقد هربت الدولة من رازي بركائي، المذيع في “صوت الجيش”، لذلك، قدم استقالته. في بث الوداع قال إنه لم يعد يرغب في ملاحقتها. لقد هربت الدولة، وهرب بركائي. ولكن أي دولة هي التي هربت بالضبط من بركائي وأي صوت للجيش الاسرائيلي؟. لقد كان على حق بشكل جزئي عندما قال إنه سيطر على وسائل الاعلام اشخاص جاهلين ووقحين. ولكنه اخطأ في تشخيصه المتعالي بأن الدولة هربت منه. هذه المقولة لاحد ابطال الثقافة لليسار الصهيوني تكرر نفسها مرة تلو الاخرى، هي مقولة كاذبة ومستفزة. 

هي كاذبة من جانبيها. فالدولة التي يرتكز رجالها هؤلاء على ذكراها لم تكن هي الدولة التي يصفونها؛ أيضا لا أحد سرقها منهم. هي لم تكن في أي يوم تعود لهم فقط. لذلك، هي لم تهرب من أي أحد. لقد كانت وما زالت لكل مواطنيها، حتى الذين ذات يوم، في تلك الايام الجميلة، كانوا منغلقين في الغيتوات، والآن بعمل شيطاني هم يتواجدون في كل مكان، وايضا تعود لاصدقاء رازي. الاخيرون ليست لهم أي حقوق زائدة.

لنبدأ بـ “صوت الجيش”. أنا عملت في هذه المحطة سنوات قبل أن يأتي بركائي اليها وقضيت فيها عدد من اجمل سنوات حياتي. أنا أحب أن ارتكز الى تلك السنوات والى المحطة التي كانت في حينه. ولكن عندما انظر الى الخلف، باستثناء الحنين الى الماضي المخادع لما لم يعد موجود ولن يعود، لا أرى “صوت الجيش” اكثر حرية أو مهنية مما هو عليه الآن. 

لقد كنا في حينه محبوسين في فقاعة في السبعينيات. مجموعة من الشباب الاشكناز الطموحين، تقريبا جميعهم من المدن الكبرى وتقريبا جميعهم من العلمانيين ومن خريجي افضل المدارس الثانوية. فقط التقنيون كانوا في جزء منهم شرقيين. ضابط الصف الاعلى كان نسيم بادوسا. متدينون واصوليون ومهاجرون، وبالطبع عرب، لم يكونوا موجودين هناك. ابشالوم كور، الذي كان في حينه بدون قبعة، كان يسافر في ايام السبت لحراسة مستوطنة عوفره، التي اقيمت بصورة مخادعة. لكن الاحتلال، المناطق، الفلسطينيين، النكبة والاضطهاد الطائفي، لم تكن تهمنا بشيء. ومشكوك فيه حتى أننا سمعنا عنها.

كنا شباب الوسط والمركز، أنا لا أتذكر أي نقاش سياسي جرى في المحطة. حتى يافا التي كانت من حولنا لم تهمنا. كنا نأكل الساندويشات عند دافيدوفيتش، واحيانا الحمص عند أبو حسن في اعلى الشارع. لم نعرف أي شيء عن عرب يافا. وتحدثنا للمستمعين بالاساس عن ارض اسرائيل الجميلة.

“صوت الجيش” هذا الذي هرب من بركائي، مسؤول مثل معظم وسائل الاعلام الاسرائيلية الاخرى  عن العمى الاخلاقي والغطرسة والوقاحة والرضى عن الذات، وعن اللامبالاة والجهل في مجالات كثيرة للحياة في اسرائيل. هنا ولد غض النظر. هنا لم يكن احتلال أو اضطهاد. هنا لم يكن صوت للمضطهدين من كل الانواع. كانت هناك قائمة سوداء لاشخاص من اليسار المتطرف، محظور اجراء مقابلات معهم بأمر عسكري. وجميعنا اعتقدنا أن هذا أمر سليم، وأنه هكذا هي الصحافة، بالضبط مثل الاجراء الذي بحسبه كل عضو كنيست، الذي نقابله، كان يجب عليه الحصول على مصادقة مسبقة من المتحدث بلسان الجيش الاسرائيلي. ايضا أي تقرير عن الجيش كان يجب ارساله الى المتحدث بلسان الجيش الاسرائيلي. لقد اعتقدنا أن هذا جيد. الامتثال والطاعة بعد ذلك اطلقنا عليهما اسم سيء بشكل خاص. 

وجه “صوت الجيش” كان مثل وجه الدولة. ايضا في الدولة التي هربت من بركائي لم يكن هناك عرب واصوليين وشرقيين أو اشخاص من الضواحي. دولة القدس وتل ابيب بأحيائها الجيدة. الدولة التي هربت منهم ارتكبت مظالم وجرائم لا تغتفر في السنوات التي أحببناها فيها جدا. ببساطة لم نتحدث عن ذلك، سواء في “صوت الجيش” أو في أي مكان آخر. لذلك، من السهل جدا الاشتياق اليها.

صحيح أنهم تحدثوا في حينه بصورة اجمل وكان هناك عدد اقل من الساخرين والفاسدين. ولكن اشتياق بركائي هو لدولة لم تكن ولم تنشأ. لدولة التي صوت الجيش وامثاله اخترعوها من اجل ترفيه الاسرائيليين وجعلهم يشعرون بالرضى عن انفسهم. دولة بدون عرب وبدون احتلال وبدون قمع وبدون نكبة وبدون اصوليين وبدون شرقيين. ما هذه الدولة. ولكنهم جميعا كانوا هناك، حتى لو لم يصلوا الى “صوت الجيش”. الآن هم يوجدون في كل مكان، أما بركائي فقد هربت منه الدولة.