هآرتس – ضباط كبار عن موت ابن الـ 80 في الضفة : المقاتلون لم يروا أمامهم انسان

عاموس-هرئيل.jpg
حجم الخط

هآرتس – بقلم  عاموس هرئيل 

 

موت عمر عبد المجيد اسعد، الفلسطيني ابن الـ 80 سنة والذي اصيب اثناء اعتقاله على أيدي جنود الجيش الاسرائيلي في شمال رام الله قبل ثلاثة اسابيع تقريبا، يظهر مثل احد الاحداث الخطيرة التي حدثت في المناطق في السنوات الاخيرة. نتائج تحقيق القيادة في القضية سيتم عرضها اليوم على رئيس الاركان افيف كوخافي. وفي نفس الوقت يجري تحقيق في الشرطة العسكرية. ضباط كبار مطلعين على تفاصيل التحقيق عبروا عن الصدمة من سلوك ضباط وجنود كتيبة الناحل الاصولي “نتساح يهودا”، الذين قاموا باحتجاز اسعد كما يتبين من التحقيق والشهادات.

اسعد تم توقيفه للتحقيق في وقت متأخر في الليل في قرية جلجلية في شمال رام الله. قوة تتكون من اربعة جنود بقيادة قائد فصيل، وضعت حاجز فجائي في احد شوارع القرية، وقامت بايقاف السيارات والسائقين من اجل فحصهم وتفتيش سياراتهم، دون أن يكون هذا على اساس تحذير استخباري. اسعد كان احد السائقين الاربعة الذي تم توقيفهم. الجنود قاموا بنقلهم الى بيت قريب مهجور، وأحدهم بقي لحراسة الفلسطينيين. القوة حصلت على تعليمات من قوة أكبر منها بقيادة قائد سرية، كان يوجد في مكان آخر في القرية. 

حسب اقوال الجنود، المسن تجادل معهم واحتج على قرار توقيفه. هم قاموا بتكبيل يديه بالقوة وعصبوا عينيه وكموا فمه بقطعة قماش. بعد ذلك قام الجنود بفك القيود عن ايدي اسعد وامروا السائقين الآخرين بالمغادرة. الرجل العجوز بقي مرمي على الارض. والجنود قالوا فيما بعد في التحقيق بأنه ظهر وكأنه نائم، بعد أن لا لاحظوا من قبل بأنه كان مشوش. هم لم يقدموا له المساعدة ولم يستدعوا ممرض كانوا يوجد في القوة المجاورة، بل غادروا البيت. في المنطقة كان يسود في ذاك الوقت برد شديد. المعتقلون الآخرون قاموا باستدعاء طبيب فلسطيني، الذي جاء بعد وقت قصير الى المكان. حاول انعاش اسعد ولكن بدون جدوى وقرر وفاته.

في الاسبوع الماضي نشرت هاجر شيزاف في “هآرتس” شهادات فلسطينيين كانا في المكان اثناء الاعتقال. حسب قولهما، اسعد كان مرمي على الارض لفترة طويلة، في الوقت الذي كان فيه فمه مغلق وعيونه معصوبة، ولم يسمع أي صوت. الجنود تركوا المكان بعد فك قيوده، وكما يبدو كان يجب عليهم ملاحظة وضعه. في الجيش بدأوا مؤخرا في اخذ شهادات فلسطينيين كانوا شهود على الحادثة. وبصورة عامة يتولد الانطباع بأن رواياتهم، كما ظهرت في الصحف، موثوقة وتتفق مع ما يتبين في التحقيق.

جثة اسعد تم تشريحها من قبل ثلاثة اطباء فلسطينيين، وهؤلاء قرروا أن سبب وفاته هو نوبة قلبية نبعت من التوتر النفسي نتيجة “عنف خارجي” مورس عليه. مصادر فلسطينية قالت لوكالة الانباء “إي.بي” بأن اسعد تم ضربه بشدة من قبل الجنود. الجنود في الشهادات في الشرطة العسكرية نفوا أنهم ضربوه.

ضباط كبار في الجيش تحدثوا مع “هآرتس” قالوا إن الاشتباه بالضباط والجنود مقلق جدا. وحسب قولهم “هم لم يروا امامهم انسان. لقد قاموا بتوقيفه في نشاط روتيني دون سبب كاف. بعد ذلك قاموا بالقائه وهو مقيد في طقس بارد، تقريبا كانت درجة الحرة صفر. عندما حذر فلسطينيون آخرون حول وضعه، قام الجنود بابعادهم ولم يسمحوا لهم بالاقتراب منه. بعد ذلك ببساطة غادر الجنود. هذه ليست عملية قتل، بل هذه حادثة فظيعة. لا يوجد هنا فقط جنود عاديين. ففي القوة كان يوجد قائد فصيل وفوقه كان قائد سرية. 

قائد المنطقة الوسطى، يهودا فوكس، سيعرض نتائج تحقيقات القيادة في الحادثة على رئيس الاركان كوخافي في الغد. ربما سيتم اتخاذ خطوات من القيادة ضد القادة في الكتيبة. تحقيقات الشرطة العسكرية في القضية ما زالت مستمرة، وحتى الآن من غير الواضح اذا كانت ستنتهي بالتوصية بتقديم لوائح اتهام ضد المتورطين. يبدو أن الانشغال الحثيث لكبار الضباط في الحادثة ينبع ليس فقط من خطورتها، بل ايضا من حقيقة أن اسعد لديه الجنسية الامريكية. وزارة الخارجية الامريكية نشرت بيان يعبر عن اسفها على الحادثة وطلبت من اسرائيل توضيحات حول موته.

في المقابل، كبار ضباط الجيش الاسرائيلي تجنبوا حتى الآن أي تطرق علني للحادثة باستثناء بيان المتحدث بلسان الجيش الاسرائيلي. ورغم أن الامر يتعلق باشتباه اخفاقات قيمية شديدة من قبل عدد من الضباط والجنود، التي أدت الى موت انسان مسن، إلا أنه ليس رئيس الاركان أو الضباط الذين تحته وجدوا أنه من الصحيح التطرق لهذه الامور. 

هذه ليست الحادثة الاولى للكتيبة

اللامبالاة الاجرامية التي وجدت تعبيرها هنا حسب الاشتباه على يد الجنود، ليست الحادثة الاولى من نوعها في كتيبة الناحل الاصولي التي تنتمي للواء المشاة كفير. على مر السنين تراكم في الجيش عدد كبير من الشكاوى بسبب سلوك جنود الكتيبة تجاه فلسطينيين اثناء نشاطات عملياتية في الضفة الغربية وفي غور الاردن. مرتان، في 2019 و2021، تم تقديم لوائح اتهام ضد جنود وضباط من الكتيبة للمحكمة العسكرية بسبب التنكيل بمعتقلين. في حادثة اخرى، قبل ثلاث سنوات تقريبا، حكم جنود من الكتيبة ضربوا مواطن بدوي في محطة وقود في النقب.

عدد من كبار الضباط الذين يعرفون نشاطات الكتيبة عن قرب اعترفوا في محادثات مع “هآرتس” بأنه توجد للجيش مشكلة مستمرة في فرض النظام والانضباط في الكتيبة، وأن عدد الاحداث التي تم فيها اظهار معاملة عنيفة وعدائية تجاه فلسطينيين أكبر من الاحداث في الوحدات الاخرى، حتى اذا اخذنا في الحسبان بأن الكتيبة موجودة في معظم السنة في المناطق وليس في قطاعات اخرى.

بشكل جزئي هذه المشكلة ترتبط ايضا بطبيعة الجنود الذين يخدمون في الكتيبة وفي خلفيتهم السياسية – الايديولوجية. الكثيرون منهم هم شباب اصوليون تسربوا من التعليم في المدارس الدينية وتجندوا للخدمة النظامية في الجيش وفضلوا الاندماج كجنود. ولكن في الكتيبة يخدم ايضا عدد كبير من الشباب الذين يعيشون في البؤر الاستيطانية في الضفة. عدد منهم مرتبط بـ “شبيبة التلال” ومنظمات يمينية متطرفة.

في موقع “ماكو” نشرت بعد اسبوع على موت اسعد مراسلات بين ضباط من قيادة المنطقة الوسطى ومن وحدات اخرى في مجموعة واتس اب داخلية. أحد الضباط في المجموعة وصف موت العجوز الفلسطيني على أنه “عملية قتل متعمدة”. ضابط آخر وصف الكتيبة بأنها “اطار لشبيبة التلال”. وضابط ثالث اقترح اخراج الكتيبة من الخدمة في الضفة الغربية لتقليص عدد الاحداث الشاذة. أحد المشاركين في المراسلات عبر عن خوفه من أن ازدياد الاحداث التي تتورط فيها الكتيبة سيؤدي الى عمليات انتقام من قبل الفلسطينيين. 

غليان في الضفة الغربية

الحادثة التي توفي فيها اسعد تضاف الى سلسلة احداث اثارت مؤخرا الغليان في الضفة الغربية. العمليات من الجانب الفلسطيني مستمرة، لكن في نفس الوقت توجد ظاهرة تزداد وتتوسع من اعمال العنف والارهاب من جانب اسرائيليين من اليمين المتطرف. في منتصف كانون الاول الماضي قتل في حادثة اطلاق نار مواطن اسرائيلي هو يهودا ديمنتمن، برصاص اطلق نحو سيارة يوجد فيها طلاب خرجوا من مدرسة دينية في المستوطنة التي تم اخلاءها، حومش. المتهمون بعملية القتل تم اعتقالهم من قبل الجيش والشباك. في الاسابيع الاخيرة حدثت عمليات اطلاق نار على سيارات للجيش الاسرائيلي وعلى مواقع عسكرية، لكن بدون اصابات.

العنف اليهودي يبرز في الاساس في البؤر الاستيطانية في شمال الضفة. قبل اسبوع تقريبا ضرب بشدة نشطاء يسار اسرائيليين وفلسطينيين، الذين هوجموا من قبل سكان بؤرة استيطانية قرب قرية بورين في جنوب نابلس. من بين المصابين كان دورون ماينرت، وهو عقيد احتياط كان في السابق قائد لواء في الجيش. في قرية حوارة قام نشطاء من اليمين المتطرف باعمال شغب وهاجموا فلسطينيين من اجل “الاحتفال” باطلاق سراح احد اصدقائهم من السجن، وطفل عمره ثلاث سنوات اصيب برشق الحجارة.

في نفس الوقت يستمر التوتر حول حومش، التي فيها يواصل المستوطنون المكوث في المدرسة الدينية، رغم اعلان الدولة بأن وجودهم في المكان غير قانوني. في الجيش ينتظرون توجيهات من المستوى السياسي بشأن اخلاء المدرسة الدينية، لكن ازاء الوضع الحساس للائتلاف والضغوط التي تستخدم عليه من قبل المستوطنين، فانه من غير الواضح اذا كانت ستصل تعليمات كهذه أصلا في القريب.