موقع إسرائيل من الصراع على أوكرانيا

عاموس جلعاد.jpeg
حجم الخط

بقلم: عاموس جلعاد

 


نقف هذه الأيام على شفا تطورات تاريخية في مركزها قرار عنوانه التصميم من الرئيس الروسي بوتين باستعادة أوكرانيا ومعها أيضاً دول اخرى تشكل منها الاتحاد السوفييتي سابقاً الى مجال نفوذ روسيا. يدور الحديث عن خطوة استراتيجية واضحة في ظل الاستعداد بتجنيد جل الجهود، المقدرات الاقتصادية والعسكرية واخذ مخاطرات في شكل مواجهة مباشرة (وان لم تكن عسكرية) مع الولايات المتحدة.
استناداً الى السوابق في الماضي – جورجيا، كازخستان، بلاروس وسورية – في خليط مع تقديرات الاستخبارات النوعية التي تشرك الولايات المتحدة بها علناً، يمكن ان نتوقع باحتمالية عالية ان يسعى الروس في الفترة القريبة القادمة لتنفيذ خططهم الاستراتيجية بتغيير الحكم في كييف عاصمة أوكرانيا. اذا ما تحقق مثل هذا الهدف، فستتحدى روسيا مكانة الولايات المتحدة كالقوة العظمى المتصدرة الوحيدة في العالم.
يتغذى قرار بوتين، اغلب الظن من رؤياه «لاستعادة المجد» ومن تقديره بأن الولايات المتحدة والغرب يعيشون ضعفاً تاريخياً سيسمح له، بالمشاركة مع الصين كقوة عظمى صاعدة، لتحقيق انجازات في شكل خلق عالم متعدد الاقطاب. صحيح أن روسيا تخاطر بخطوات رد اقتصادية حادة، ولكن يمكن اخذ الانطباع بأن الروس يأخذون هذا بالحسبان وأنهم مقتنعون بأنهم مثلما نجحوا في السنوات الماضية، سيفلحون هذه المرة ايضا في نيل ثمرة ذات اهمية تاريخية استثنائية بالنسبة لهم – ألا وهي استعادة السيطرة على اوكرانيا كجزء من رؤيا روسيا الكبرى.
بالتوازي، من المهم الاشارة الى أن روسيا تبرز كعامل مسيطر الى جانب الولايات المتحدة والغرب في تحقيق اتفاق للجم مساعي ايران لنيل سلاح نووي ايضا. في المحور الاستراتيجي موسكو – بيكين، يتخذ الصينيون ظاهراً نهجاً حذرا، كعادتهم، لكن رئيسَي الصين وروسيا يقدمان زخماً للتقارب الشامل بين الدولتين، في وجه الخصم المشترك – الولايات المتحدة. وكل ذلك انطلاقا من الافتراض بأن اوروبا هي شريك ذو قوة محدودة.
يمكن التقدير بأنه اذا نجحت الخطة الروسية للسيطرة بهذه الطريقة أو تلك على اوكرانيا فهذا كفيل بأن يكون لذلك آثار دراماتيكية على اسرائيل والشرق الأوسط. فالتهديد الاستراتيجي الشامل من جانب ايران على اسرائيل، الدول العربية والشرق الاوسط على ما يبدو سيتعاظم. فايران تطور قدرات هجومية مبهرة تستهدف المس أساسا بالبنية التحتية الاستراتيجية المدنية لاسرائيل والدول العربية، في ظل التموضع في دول فاشلة.
اذا كان اتفاق، فإن ايران ستحصل على يد حرة لمواصلة تطوير قوتها فيما ستكون تحت تصرفها قدرات اقتصادية غير مسبوقة كنتيجة لرفع العقوبات. كما ان الاتفاق سيجدي فقط في تأخير وان كان مهما، في الجداول الزمنية لتطوير القدرات النووية العسكرية ولكن ليس في منعها. اذا لم يتحقق اتفاق، فان إيران ستواصل تعاظمها وهي محررة من القيود السياسية. مهما يكن من أمر، ستتمكن إيران من استغلال الخصومة المحتدمة بين الولايات المتحدة وبين المحور الاستراتيجي روسيا – الصين اللتين تريان في ايران حليفا حيال الاميركيين.
بالمقابل، يمكن لهذا الوضع أن يخلق فرصا لاسرائيل. اولا وقبل كل شيء قد تصل الولايات المتحدة الى الاستنتاج بان لا بديل للشرق الاوسط كذخر استراتيجي حيوي لامنها القومي فتؤخر المسيرة التي يشار اليها كل مرة والمتعلقة بهجر المنطقة. ستواصل الولايات المتحدة الاعتماد على النفط الذي مصدره في الشرق الاوسط وان تشكل مصدر قوة ودعم لاسرائيل وللدول العربية. كما أن اسرائيل التي حسب منشورات مختلفة وتصريحات زعمائها ستنفذ مسيرة تعاظم قوى تستند اكثر فأكثر على الحلف بينها وبين الولايات المتحدة. الى جانب ذلك يمكن أن يتوثق الحلف الامني الاستراتيجي بين اسرائيل والدول العربية السنية التي تنجح بشكل مبهر في الحفاظ على استقرارها.
من عموم التطورات والأحداث في المنطقة يمكن أخذ الانطباع بان الدول العربية ترى في اسرائيل شريكاً استراتيجياً وبخاصة بعد أن انضمت اسرائيل الى قيادة المنطقة الوسطى الأميركية التي هي إطار أميركي يعطي رعاية وقوة لجملة من اوجه التعاون العسكري والاستخباري بين دول الشرق الأوسط. هذا انجاز ذو أهمية استثنائية للأمن القومي الإسرائيلي. وبشكل مفعم بالمفارقة ظاهرا في الجبهة السورية كفيل بأن تبقى على حالها المصلحة المشتركة الإسرائيلية – الروسية في اضعاف مكانة ايران في سورية قدر الإمكان (وذلك كون روسيا معنية بالحفاظ على مكانتها المسيطرة في الدولة). كل هذا ينطوي على سياسة فهيمة من إسرائيل تجاه النظام الأوكراني.
في السطر الاخير، الازمة الاوكرانية من شأنها أن تسرع مخاطر وتهديدات قديمة وجديدة ولكن يوجد فيها ايضا فرصة لتسريع سياقات ايجابية لاسرائيل. وعلى السياسة الاسرائيلية ان تزن هذه الممكنات التاريخية معا.

عن «يديعوت أحرونوت»