القرار الذي لم ينشر في الجريدة الرسمية والذي ثار عليه الجدل الوطني يتضمن اعتبار منظمة التحرير. الفلسطينية دائرة من دوائر الدولة الفلسطينية (دولة فلسطين قائمة بالحق الطبيعي والتاريخي والقانوني وهي محتلة) في سياق إقامة الدعاوي.
إن مثل هكذا قرار -لم ينشر بالجريدة الرسمية- بعد يعد مثار لغط وتشكيك كبير حيث كتب الكثيرون أنه يفتح الباب على اسدال الستار على منظمة التحرير الفلسطينية التي أصبحت مجرد دائرة ضمن إطار المنظمة، وبالتالي يصبح الاعتراف العالمي بها وهي التي وقعت الاتفاقيات التي بموجبها أنشئت السلطة الفلسطينية عام 1993 وكأنه نسيًا منسيا.
صدق الكثيرون حين تساءلوا واستغربوا وتعجبوا أن يضم الفرع أي (السلطة الوطنية الفلسطينية فعليا وإن كان تحت اسم الدولة) الأصل وهي منظمة التحرير الفلسطينية (م.ت.ف) في آلية تقزيم كما أسماها رجل القانون د.عماد البشتاوي متعجبًا لوكالة معا حين قال: " كيف تلغي أو تهمش أو تقلص دور منظمة التحرير الفلسطينية"، "ومنظمة التحرير الفلسطينية هي التي أنشأت السلطة، وهي أداة من أدوات منظمة التحرير الفلسطينية"!
لذلك فإن القرار "كان غريباً للأطوار ومخالفاً لكل الأعراف"، "ويقزم القضية الفلسطينية ويضع نهايةً مأساويةً لها" كما رأى د. مصطفى اللداوي.
استشاط الكاتب د. مصطفى اللداوي غضبًا من القرار- الذي لم يصدر بالجريدة الرسمية- إلى الدرجة التي قال فيها أن: "كل خطوات القيادة الفلسطينية وإجراءاتها، وكافة سياساتها ومشاريعها، تتنكب للمشاريع الوطنية (!!)، ولا تتوخى المصالح الشعبية، ولا تسعى للتقريب بين وجهات نظر شعبها وفصائله (!!)، وهي تتعمد تكريس الشرخ وتعميق الخلاف وإدامة الانقسام (!!)، وكأنه يعنيها أن يدوم التشرذم الفلسطيني والتيه الوطني، ولا تتحقق المصالح ولا تجتمع الكلمة (!!)" بل ومضيفًا بحده الأقصى أنه "يظن وغيره" أن السلطة الوطنية الفلسطينية "مقتنعة بما تقوم به، وواعية جداً لما ترتكبه من أخطاء، وهي راضية عن أدائها ومؤمنةٌ به، ولو أنه يخدم عدوها ولا ينفع شعبها، ويضر بالوطن ويهدد مستقبل القضية"!؟
نحن لا نتفق مع مضامين الغضب الشديد والاتهامات والشتائم الكثيرة للأسف التي عصفت بالدكتور اللداوي إلى الدرجة التي اتخذ بها موقفا أيديولوجيا من قرار سيء، لكنه قابل للأخذ والرد وقابل للتغيير والنقاش أو الفهم والتعديل أو الالغاء، ولا نوافقه على تعميم الاتهامات لتشمل كل شيء وبشُبهة سوء النية الدائمة المفترضة منه لكل ما يأتي من القيادة الفلسطينية، لكن القرار فعلًا يستحق الإضاءة عليه والغضب منه فعلًا.
كيف يكون لقامة عالية أن تنحني أمام صنيعتها؟ وكيف لنمر رابض أن يكون مكبلًا في سجن ربيبه؟ وكيف لمن كان البيت الأول للشعب الفلسطيني بالداخل والخارج ومكرس الهوية الوطنية والكيانية الجامعة أن يصبح مجرد غرفة ضمن البيت الفلسطيني الضيق؟
نتساءل كما غيرنا -والقرار لم ينشر بالجريدة الرسمية - كيف لمثل هكذا قرار فعلًا أن يكون في مصلحة القضية الفلسطينية؟ أو في مصلحة الدعاوى ذاتها؟ والتعامل هنا بين أطر متفاوتة بمعنى هل يجوز أن يكون هناك قرار لاعتبار "حماس" أو الشعبية" أو "فتح." دائرة من دوائر السلطة أو الدولة؟ ولما يكون الرد الحالي هو لا، والمستقبل حافل! فإن المؤسسات النقابية أو غير الحكومية أو السياسية الفصائلية (ومنها المنظمة) ليست أسيرة مؤسسات السلطة، أي سلطة، أو الدولة القادمة على المتاح من الأرض!
لا أناقش هنا النقاط القانونية المتعلقة بالقرار، وهي مما رد عليه المحامي علي أبو حبلة حين قال عنه: "لا يحمل أي صبغه قانونيه وله أبعاد سياسة لما تتضمنه مرسوم القانون الذي تناول منظمة التحرير التي تحمل الصفة التمثيلية للشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده وهذا بحد ذاته تجاوز يجب التوقف عنده وضرورة تفسير أسباب ومسببات إصدار المرسوم ، أن القرار بقانون له مبتغى سياسي وليس قانونيا، وتم توقيعه دون تبيان النص القانوني الذي تم الاستناد إليه في القانون الأساسي المعدل لسنة 2003 وتعديلاته، مشيرا إلى أن القرار بقانون فيه مخالفته للمبادئ الدستورية من حيث الاختصاص ومبررات الإصدار التي جاءت منطوية على عديد من الانتهاكات والمثالب التي تمس بحقوق الإنسان ومبادئ "دولة القانون" ما يوجب عدم نشره والعمل على إلغائه."
إن القرار الصادر أو القرار بقانون والمؤرخ إصداره بتاريخ 2022/2/8 -الذي لم ينشر بالجريدة الرسمية- ذو صبغة سياسية واضحة تاهت ما بين ضرورة تقوية فكرة الدعاوي، ودهاليز القانون والمضار السياسية، والدخول في مستنقع الأصل والفرع، والصلاحيات والمقبولات والمرفوضات، وأكثر من ذلك أنه تعدى على صلاحيات المنظمة بوضوح أشار له القانونيون.
نحن نعتبر أن منظمة التحرير الفلسطينية هي موئل كل الفلسطينيين في العالم أي أولئك الذين سيكونوا مواطنين ضمن مساحة الدولة الفلسطينية "على المتاح من الأرض" وأولئك الذين لا تشملهم المساحة.
نحن نعتبر أن منظمة التحرير الفلسطينية-رغم كل مثالبها- هي الأصل وليست الفرع أبدًا ولن تكون، حتى ضمن مقتضيات ما قد يأتي من حلّ أصبح مستبعدًا بعد أن ضاقت الدنيا بالقضية لعقم قياداتها من جهة وتفتتها بين شمال وجنوب، وبعد أن أصبحت نسيًا منسيًا مع الانعزاليين العرب والهيمنة الصهيونية التي تمددت على مساحة أرض العرب وجوارها.
إن كنا سنفهم الدولة الفلسطينية (القائمة بالحق الطبيعي والتاريخي والقانوني، تحت الاحتلال) التي تنهد للاستقلال على "المتاح من الأرض" يعني مساحة حدود الرابع من حزيران 1967 فإن على المنظمة (م.ت.ف) أن تظل حاضنة للكل الفلسطيني الذي يؤمن بالدولة المرحلية، أولا يؤمن بها، لأن الجامع للكل العربي الفلسطيني هي فلسطين، كل فلسطين، وليس المتاح منها، فلا يكون للاجئين (أكثر من نصف الشعب الفلسطيني بالعالم) دولتهم إلا حين عودتهم، وكذلك الأمر حين تصبح العنصرية والأبارتهايدية والاحتلال والعقلية الاستعمارية الصهيونية خارج فناء السيطرة.
المقارنة قد تقفز لتفرض نفسها بين الحركة الصهيونية التي مازالت قائمة حتى اليوم ولها دورها العابر للحدود، وبين "دولة إسرائيل"، ولنا أن نتفكر ونفهم ونعتبر.
منظمة التحرير الفلسطينية التي أنشأت السلطة عام 1993م وقررت انتخاب ياسر عرفات رئيسًا للسلطة الوطنية الفلسطينية، هي التي أعلنت قيام الدولة الفلسطينية عام 1988 برئاسة الراحل الكبير ياسر عرفات، وكانت ومازالت الممثل الشرعي الوحيد للفلسطينيين بكل العالم.
فليس من المعقول-تحت أي مبرر أو سبب- أن ترتهن المنظمة بما هو جزء منها! وكأن الآية قلبت! كما الحال السابقة (وربما المستمرة) حين أصبحت المنظمة بالأمر الواقع جزءًا من السلطة الوطنية إداريًا ما رفضه الجميع، أويعملون اليوم (أو يجب أن يعملوا) فيه على تعديل الآية.