ليس من الحكمة، في حال توفرها، تجاهل حقيقة أزمة الثقة المتفاقمة بين الشارع الفلسطيني والمكونات السياسية التي تقدم نفسها، دون ملل وعبر عقود طويلة، كجهة وحيدة معبرة عن الاتجاهات المؤثرة فيه.
لم يعد الأمر كذلك منذ وقت طويل، وعبر حقبة متدحرجة شهدت تفكيك تحالف منظمة التحرير، وتفكيك وحدة الضفة وغزة، وضرب وحدة "فتح"، وتفكيك الشرعيات الثلاث، ما دفع نسبة كبيرة من الشارع الفلسطيني للنظر بكثير من الشكوك وعدم الثقة إلى قرارات السلطة وخطابها ودعواتها، والتعامل مع توجهاتها بحذر يتدرج إلى القطيعة، خاصة أنها لا تجد في أطر المعارضة التقليدية والتي لم تعد كذلك بالمعنى الدقيق للمعارضة، المقصود فصائل منظمة التحرير، لا تجد فيها الجهة القادرة على التعبير عن أفكارها وطموحاتها ومطالبها وهمومها.
يمكن هنا التذكير بحقيقة أن بعض هذه الفصائل قد فقدت الحق، لأسباب كثيرة، في احتلال مقاعد تمثيل شعبية في مؤسسات منظمة التحرير وذراعها السلطة، ويمكن الذهاب أبعد من هذا إلى اعتبار بعض هذه الفصائل وحضورها الشكلي في هرمية المنظمة كممثلة عن اتجاهات شعبية نوعا من الاحتيال على تمثيل هذه الاتجاهات ومصادرة لصوتها وحضورها. الأمر أقرب إلى صفقة لم تعد مقنعة منذ عقود بين الجهات المتنفذة وهذه الفصائل الافتراضية التي ستتبدد بشكل مأساوي لو تعثرت أو ساقها سوء الطالع إلى أي "انتخابات حقيقية" قد تحدث سواء؛ في الجامعات والمؤسسات التعليمية، البلديات والمجالس القروية، النقابات والاتحادات...، اتفاق يضمن للسلطة النصف +1 ويضمن الحضور الشكلي غير المؤثر لهذه الفصائل مع الامتيازات الفردية التي يجري تدويرها في الفصيل من مقعد في الزاوية المظللة للنقابة وصولا إلى العضوية الصامتة في اللجنة التنفيذية.
هذا يفسر مشهد إدارة الظهر الجماعية العفوية والعميقة كلما ظهرت دعوة للحوار.
يعرف معظم الناس بخبرتهم وعبر تكرار التجربة أن الحوار المقصود هو حوار بين هذه الفصائل لا أكثر، وهو أمر لم يعد مهما بالنسبة لهم، ولا يشكل مطلبا وطنيا، وأنه سيجدد شرعية هذه الأطر غير الفاعلة وغير المقنعة ويساعدها على البقاء ومزاولة مهنة "تمثيل الشعب"، حتى بعد إطلاق صفة "الحوار الوطني" سيبقى محصورا في تلك الدائرة، وأنه لن يذهب بعيدا.