حدثني طارق الكرمي ، فقال: هل تعلم يا حسن؟ في نص طولكرم هناك «دائرة البرق والبريد» العثماني، وفيها عثروا على برقيات فحواها ارسال حمولات بطيخ إلى حلب وخضار إلى دمشق.
خضار إلى دمشق المزنرة بالغوطة، التي كانت ذات الـ ٣٩ مليون شجرة مثمرة، وبردى بغروسه وروافده؟ قلت له: دار الزمان دورته، ولم تعد الغوطة غوطة. قال: اسمها طول - كرم، اي سهل طولكرم، وكان يمتد من عنبتا حتى يعانق السهل الساحلي الفلسطيني، وكان يعدّ من اهم السلال الغذائية في فلسطين.
قال: الآن، تكاد هذه السلة تخلو من بيارات البرتقال ومحاصيل الحبوب، خاصة القمح، فتذكرت شهادة قديمة لرجل دين مسيحي يطعن في ادعاء الصهيونية عن تحويل ارض قفراء الى خصبة، وكيف صدّرت فلسطين القمح الى بريطانيا عندما اجتاحتها مجاعة قبل قرون.
دار الزمان دورته، وكان سكان ارض فلسطين يعدّون مليونا بالكاد، وصاروا زهاء الـ ١٢ مليوناً على حافتي «الخط الاخضر». كان سكان سورية ٣،٥ مليون نسمة وقت الاستقلال، وصاروا ٢٣ مليونا، كان سكان دمشق ٢٥٠ الف نسمة، وصاروا ٤ ملايين نسمة. الحجر افترس الغوطة.
عندما حلقت طائرة عبد الناصر فوق دمشق، اصابه جزع على غوطة هي الثالثة من نوعها في العالم، وأمر بتعديل المخطط العمراني الذي وضعه المهندس الفرنسي كوشار بحيث تتوسع دمشق بنسبة ٨٠٪ على الارض الجرداء في جبل قاسيون وسلسلة الجبال الشرقية، وبنسبة ٢٠٪ على الاراضي الزراعية، لأسباب، لم يتم الامر، واتصلت دوما بحرستا، وهذه بجوبر وهذه بدمشق، وصارت عربين وزملكا من احياء دمشق. في الضفة الغربية، صار التواصل العمراني كأنه «زاروب» من بيرزيت الى ابو قش الى سردا فإلى رام الله - البيرة - بيتونيا، فإلى قلنديا والقدس.. حتى كتلة بيت لحم - بيت ساحور - بيت جالا! صحيح، ان الفلسطينيين تحولوا من نمط البناء الافقي، الى نمط البناء العمودي، والعمران الفلسطيني من السكن المبعثر الى السكن المركز، لكن مساحة الارض الزراعية تتآكل، فقد كانت مساحة البيارات في قطاع غزة، اوائل سبعينيات القرن المنصرم تناهز الـ ٧٥ الف دونم، والآن تقلصت الى ٩ آلاف، منها ٧ الاف مثمرة. فوق هذا، فإن احتياطي الارض الزراعية في غزة موجود في معظمه على مبعدة كيلومتر واحد من خط التحديد، الذي يخضع للتجريف الاسرائيلي وقت الحروب، ولمنع الفلاحين من رعاية حقولهم.
لا اعرف كم هي مساحة الارض الزراعية في الضفة التي صارت ارضا عقارية، لكن ٧٠ الف دونم تم استصلاحها، وهي لا تكافئ مساحة ذهبت ضحية الفورة العقارية. هناك اختلال في معادلة التحجير - التشجير في الضفة الغربية، وهناك تجاوزات في اعطاء رخص البناء فوق ارض زراعية (رخص البناء في القدس الشرقية قصة اخرى).
يقول كبار السن ان رام الله كانت تزرع وتأكل محاصيل ثلاثة منخفضات: اسفل جامعة بيرزيت، وما كان «نقرة» او سهل البالوع، و«نقرة» بيتونيا، وجميعها صارت ارض توسع عمراني، بدل البناء على التلال الصخرية. فقط، عندما تعبر الخط الاخضر غربا، ترى ما يمكن ان تراه من حقول مزروعة بمحصول واحد على مدّ النظر، واما شرقي الخط الاخضر، فإنك لا ترى تقريبا حراثة ميكانيكية وزراعة ميكانيكية، بل واحات خضراء صغيرة، وتتقلص تدريجيا أمام «تحجير» الزحف العمراني، وان صار يتخذ نمط البناء العمودي.
صحيح، هناك الهندسة الوراثية، والتحول من زراعة محاصيل محبة للماء الى زراعة محاصيل تتحمل سقاية قليلة، ومن الحمضيات الى النخيل، او الى الأفوكادو، والبندورة العنقودية في الدفيئات.
فلسطين تحصد ٦٪ فقط من القمح وتستورد الباقي، لكن دون نقل البناء العمراني من «ظهر الجبل» في الضفة شرقا إلى المنطقة الشفا - غورية، فإن طفرة العمران قد تأتي على معظم الارض الزراعية.
وين العبارة؟ ما الذي يهمني من «زوبعة» قرار رئاسي يستبدل تركيبة مجلس امانة متحف درويش بقرار آخر؟ سألت واحدا في الامانة القديمة: اين هي عبارة درويش في مدخل ضريح عرفات، وعلى كتف جامع التشريفات: «كان عرفات الفصل الاطول في تاريخنا .. في كل واحد منا شيء منه»! سألت موظفاً في الرئاسة، سألت حرس الضريح .. سألت هذا وذاك .. وما من مجيب! كنت اول من أثار فضيحة حجر مليء بالتخاريب في ضريح عرفات.
فغيروه، وحجر صناعي سيئ الصيت في ميدان عرفات .. فغيروه. لكن أين انتهت عبارة درويش عن عرفات على كتف مسجد التشريفات؟ ولماذا رفعوها؟
حـسـن الـبـطـل