خلافة الرئيس عباس واحتمالات الصراع على السلطة

حجم الخط

بقلم: المحامي زياد أبو زياد

 

ليس غريبا ً أن يكون الإعلام الإسرائيلي هو الأكثر انشغالا ً بموضوع خلافة الرئيس محمود عباس. فمن الطبيعي أن ينشغل هذا الإعلام بما يمكن أن يثير البلبلة على الجانب الفلسطيني وبما يُعطي الانطباع بأن نظام الحكم الفلسطيني هو نظام فردي، في جوهره صراع على السلطة، وبما يُعطي الانطباع للقارئ والمشاهد الإسرائيلي بأن في إعلام بلاده خبراء يعرفون خبايا ما يدور في دهاليز الحكم الفلسطيني وأن هناك ماكينة في إسرائيل تعمل على الجانب الفلسطيني وتستطيع أن تُفصّل للفلسطينيين حتى الشخص الذي سيقف على رأس نظام سلطتهم.

وأقول بداية أن مجرد الحديث عن خلافة الرئيس عباس ومن سيأتي بعد رحيله هو أمر يمجه الذوق السليم وفيه إساءة لشخص الرئيس عباس وعدم احترام لمشاعره، لأننا في نهاية الأمر بشر ولا أحد منا يحب أن يتحدث عنه الغير بصفة الماضي فكيف إذا كان الماضي هو الاختفاء عن مسرح الحياة.

ولا بد من التنويه بأن الانشغال بمن سيخلف فلان هو أمر ارتبط في الأذهان بالدكتاتوريات التاريخية أمثال ما وتسي تونغ وفيدل كاسترو وخروتشوف وغيرهم. والحديث عن الرئيس الفلسطيني في هذا السياق لا يخلو من سوء النية سواء الإيحاء بانعدام الديمقراطية والحكم الرشيد على الجانب الفلسطيني أو الإساءة لبعض الشخصيات الفلسطينية من خلال محاولة تصويرهم بأنهم من المرضي عنهم إسرائيليا ً بقصد احراجهم أو حرقهم فلسطينيا ً، فالمرضي عنه إسرائيليا ً هو مشتبه به فلسطينيا وهذا ما يحاول الاعلام الإسرائيلي الموجه اللعب به على ساحتنا موقنين بأنهم على الأقل سيهيئون تلك الساحة للصراعات الداخلية على الكرسي ويزرعون بذور الفتنة التي إن اندلعت فإنها ستكون لصالح الأطماع الإسرائيلية. وأذكر في هذا السياق أن الرئيس ياسر عرفات قال لنا في أحد الاجتماعات غير الرسمية “اذا شعرتُ في يوم من الأيام بأن الإسرائيليين راضين عني فسأطلب منكم أن تحيلوني الى التحقيق”.

اما وقد أصبح موضوع خلافة الرئيس عباس مطروح إعلاميا ً وبفعل إسرائيلي لاقى صدى له على الساحة الفلسطينية فإن علينا أن نتحدث في الموضوع بإيجابية محاولين البحث عن الوسائل والآليات التي يمكن أن تُجنبنا الدخول في الصراعات الداخلية التي يحاول الإعلام الإسرائيلي تهيئة الأجواء لها.

في غياب المجلس التشريعي وعدم وجود رئيس مجلس تشريعي منتخب ذو ولاية ذات صلاحية فإن كل الأبواب مشرعة على كل الاحتمالات ولا أرى للأسف أي احتمال يمكن أن يُحظى بالإجماع الوطني الذي يضمن حالة الاستقرار والانتقال الهادئ للسلطة.
أحد هذه الاحتمالات هو التساؤل عن الدور الذي يمكن أن تلعبه اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ورئيس المجلس الوطني الفلسطيني.

وهذا الدور كان يمكن أن يكون دورا ً إيجابيا ً فعالا ً لو كانت جميع القوى والفصائل الفلسطينية بما في ذلك الحركات الإسلامية ممثلة في المجلس الوطني وفي اللجنة التنفيذية. ولكن وللأسف الشديد فإن جزءا ً رئيسيا ً من هذه القوى والفصائل غير ممثل في المجلس الوطني أو التنفيذية أو أنه قد كان ممثلا ً ولكنه جمد مشاركته أو انسحب.

وبالتالي فإن أي دور يمكن أن تلعبه اللجنة التنفيذية سيلاقي معارضة أو تشكيكا ً من قبل من ليسوا شركاء فيها ناهيك أيضا ً عن أن هناك أكثر من طامح داخل اللجنة التنفيذية ولعل هذا هو السبب الذي جعل الرئيس عباس، رئيس اللجنة التنفيذية للمنظمة يمتنع، حتى الآن على الأقل، عن تعيين أمين سر للجنة التنفيذية لما لهذا المنصب من رمزية.

وإذا كانت اللجنة التنفيذية للمنظمة لا تستطيع أن تلعب أي دور في هذا الصدد فإن اللجنة المركزية لحركة فتح لا تستطيع هي الأخرى عمل أي شيء لأن حركة فتح ليست كل ألوان الطيف السياسي الفلسطيني ولأنها تستطيع أن تنتخب مرشح فتح للانتخابات الرئاسية ولكنها لا تستطيع تنصيبه رئيسا ً لأنه سيظل، ولو شكليا ً، بحاجة لشرعية الفصائل والقوى الأخرى ونحن ندرك أن مثل هذه الشرعية لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال صناديق الاقتراع.

وثمة احتمال آخر في غاية الضعف ولكنه احتمال قائم وهو أن تدعي حماس بأنه يجب تطبيق أحكام المادة 35 من القانون الأساسي وأن رئيس المجلس التشريعي من حماس وأنه هو الأحق بتولي الرئاسة مؤقتا ً لحين اجراء انتخابات رئاسية حسب منطوق المادة 35 آنفة الذكر.

كل هذا يعني بأننا شئنا أم أبينا وبسبب الفراغ التشريعي الموجود نتيجة عدم وجود مجلس تشريعي سيفتح الباب أمام صراعات داخلية وصراعات بين- فصائلية وتدخلات إسرائيلية وإقليمية ومن بعض دول الجوار ستزيد الأمر تعقيدا ونحن في غنى عنها.

هذه السيناريوهات التي لم أتوسع في تعدادها واحتمالاتها تؤكد حقيقة أننا بأمس الحاجة لإيجاد الآلية لاجتياز مرحلة انتقالية ذات مائة يوم كما هو نص المادة 35 يتولى خلالها رئيس مؤقت مقيد دون أدنى شك بشرط اجراء الانتخابات فور توليه الرئاسة المؤقتة مع ضمان ألا يتنكر لاستحقاق الانتخابات وأن لا يبادر لإعلان حالة طوارئ مثلا ً ويستغلها لتمديد فترة رئاسته المؤقتة ويحاول احالتها الى رئاسة دائمة.

أسهل الطرق لحل هذا الإشكال هو اجراء انتخابات تشريعية ووجود مجلس تشريعي منتحب يقوم بتطبيق أحكام القانون الأساسي، وإذا لم يكن ذلك ممكنا ً فإن الرئيس عباس يتحمل مسؤولية إيجاد الآلية التي تضمن العودة لانتخابات رئاسية وتشريعية بطريقة سلسة تُغلق الباب مُسبقا ً أمام أي صراعٍ على السلطة.

وإن لم يتحقق ذلك فلنتهيأ لرؤية السيناريوهات الإعلامية الإسرائيلية تحقق وما سيرافقها من صراعات ومفاجئات يحتاج المرء الى خيال خصب حتى يستطيع تصورها وتصور نتائجها الكارثية. وهي بالتأكيد سيناريوهات رعب أشبه بأفلام ألفريد هيتشكوك.