الدعم الدولي لكييف "وقود" يُشعل المواجهة.. وإسرائيل ستواصل التلوي

عاموس-هرئيل.jpg
حجم الخط

بقلم: عاموس هرئيل



لقد كان لدى إسرائيل إنذار مدته تقريباً أسبوعان عن عزو روسيا لأوكرانيا. في الوقت الذي شكك فيه وزراء ومحللون وأحياناً رجال استخبارات بجدية نوايا الرئيس الروسي فلادمير بوتين بتنفيذ تهديداته فان الأميركيين كانوا حازمين اكثر. في الاتصالات مع نظراء في إسرائيل في مكتب رئيس الحكومة وفي مجلس الأمن القومي لم تترك الولايات المتحدة أي مكان للشك وقالت إن بوتين جدي. التصعيد انتهى بغزو.
الإدارة الأميركية التي اعتمدت كما يبدو على معلومات استخبارية موثوقة قامت ببث ثقة كاملة باستنتاجاتها. اقوال مشابهة قيلت أيضاً في التصريحات العلنية للرئيس الأميركي جو بايدن. اذرع المخابرات الأميركية أعدت قائمة بإشارات تدلل على ذلك، التي يزيد تراكمها اليقين بالغزو، وأشارت الى واحدة تلو الأخرى بعلامة «في». في يوم السبت، 12 شباط، بدؤوا في اسرائيل بإعداد الخطط التي بحسبها تم في الأسابيع الأخيرة إخلاء الإسرائيليين من أوكرانيا. والذين لم ينجحوا في الخروج قبل ذلك أو صمموا على تجاهل الدعوات التي اشتدت من وزارة الخارجية يحتشدون الآن قرب الحدود مع بولندا طالبين النجاة.
في كل ما يتعلق بالحرب نفسها فإن إسرائيل ستواصل التمسك باستراتيجية السير بين القطرات. رئيس الحكومة، نفتالي بينيت، تحدث أمس هاتفياً مع الرئيس بوتين. مكتبه لم ينشر أي تفاصيل عن مضمون المحادثة باستثناء مجرد إجرائها. قبل ذلك، في نهاية الأسبوع، تحدث مع رئيس أوكرانيا. اسرائيل ايضاً أعلنت عن إرسال إرسالية إنسانية الى أوكرانيا ووزير الخارجية، يئير لبيد، نشر في الأسبوع الماضي بيان إدانة لخطوات روسيا التي كلفت محادثة توبيخ لسفير إسرائيل في موسكو. ولكن هذا حتى الآن هو كل شيء. بالمقارنة مع الدول الاوروبية فان اسرائيل تتبع خطاً منضبطاً كثيراً. ايضا ادانتها العلنية تعتبر خفيفة بالنسبة للهجة الاوروبية والأميركية.
في حاشية بينيت يقولون إنهم في واشنطن يدركون دوافع اسرائيل، وعلى رأسها الوجود الجوي الروسي في سورية، لذلك لا يوجد في هذه الأثناء أي ضغط على إسرائيل من جهة ادارة بايدن لإطلاق تصريحات أو القيام بنشاطات حازمة اكثر. ولكن الى جانب الواقع الاستراتيجي والاعتبارات السياسية يطرح أيضا السؤال الأخلاقي. تلوي إسرائيل إزاء انقضاض روسيا العنيف على دولة لم تقم بأي اعتداء مهم ضدها لا يثير التفاخر الكبير.
بينيت، يسجل له، أنه على الأقل يتطرق للحدث خلافاً لسلفه بنيامين نتنياهو، الذي صمت تماما قبل بضعة ايام. الشخص الذي علق شعارات ضخمة وعليها صوره مع بوتين والعنوان كان «دوري مختلف»، فقط قبل سنتين، يصمت في هذه المرة. اتباعه الذين يتجولون في الشبكات الاجتماعية يتراوحون بين تصريحات تأييد للديكتاتور الروسي وبين أغنيات الاشتياق لأبو الأمة، الذي لو كان في منصبه فبالتأكيد كان سيحل السلام بين الصديقتين في شرق اوروبا.

الثمن الاقتصادي
الكابنيت اجتمع أمس بعد الظهر في القدس لمناقشة الوضع في اوكرانيا. على الاجندة، الى جانب اخراج الاسرائيليين والتصريحات العلنية، كانت هناك سلسلة من المواضيع الاقتصادية التي جزء منها يمكن أن يكون له تداعيات بعيدة المدى على الاقتصاد العالمي، وضمن ذلك على الاقتصاد الاسرائيلي. روسيا واوكرانيا هما الدولتان الاكبر لتصدير الطاقة والحبوب للعالم. وتشويش الإنتاج والتصدير في أوروبا، اذا حدث، سيتم الشعور به في نهاية السلسلة في دول كثيرة. هكذا أيضا العقوبات الاقتصادية.
الفحم يشكل نحو 20 في المئة من استهلاك الطاقة في إسرائيل، ومعظمه مستورد من روسيا. استبدال الفحم الروسي بالفحم من جنوب أميركا، اذا أصبحت هناك حاجة الى ذلك، يمكن أن يخلق لها صعوبات. فالحديث يدور عن سلعة تعتبر ملوثة اكثر وذات جودة اقل واكثر اضرارا بالاجهزة التي تستخدمها، ولا نريد الحديث عن زيادة المسافة في النقل البحري. مؤخرا يتم فحص ايضا مخزون الطوارئ للحبوب في اسرائيل من اجل تأكيد الاستعداد لوضع حدوث صعوبات في التزويد.
صعوبة اخرى تتعلق بالعقوبات التي ستخرج روسيا من المنظومة البنكية الدولية، السويفت. وهذا سيكون له تأثير على شركات إسرائيلية كثيرة تدير اعمالاً مع روسيا. وهناك بالطبع أيضاً مجموعة أرباب المال الكبار اليهود، المقربة من بوتين، والتي الكثير من أعضائها يحملون أيضاً الجنسية الإسرائيلية ويميلون الى المجيء والمكوث في البلاد عندما تحولت دول غرب أوروبا بالنسبة لهم الى مستضيفة أقل وداً.

الخوف: مواجهة أكثر قتلاً
الرد السائد في المستوى السياسي وفي جهاز الامن في اسرائيل بخصوص تطور المعارك على الارض في اوكرانيا، هو «سابق لاوانه». الحرب ما زالت توجد في الايام الاولى والتنبؤات القاطعة في تويتر (فقط قبل بضعة ايام اظهروا مهارتهم بعيدة النظر في علم الاوبئة) تسبق قليلا الخطوات على الارض. مع ذلك، ايضا في الجيش الاسرائيلي يتفاجؤون من النتائج المحدودة التي حققها الروس حتى الآن في مجالين كان يمكن أن يكونا على رأس اهتماماتهم: تحقيق تفوق جوي فوري واستخدام حرب مركبة من الحرب النفسية والإعلامية.
برز في الأيام الأولى الاستخدام الأوكراني للمنظومات المضادة للطائرات. في حين أن رئيس أوكرانيا زيلانسكي، المؤهل جداً في الساحة الإعلامية، نجح في الحفاظ بنفسه على قنوات بث مفتوحة والحصول على دعم عالمي واسع. الأمر الثاني ربما لا يعتبر إنجازاً مؤثراً، إذا أخذنا في الحسبان شخصية العدو. باستثناء الرئيس السوري، بشار الاسد، وبعض بقايا الحزب الشيوعي في اسرائيل، فان بوتين تقريبا لا يحظى بأي مظاهر للتأييد.
تنشر وزارة الدفاع البريطانية، المراقب الحذر والمجرب، مؤخرا عن صعوبات تواجهها روسيا في التقدم على أراضي أوكرانيا وعلى محاور في المنظومة اللوجستية، التي قيل عنها غالبا بأن نجاحها هو الذي يحسم مصير الحروب. تلعثم روسيا على الأرض، اذا كان حقاً يحدث، سينظر اليه في إسرائيل باستغراب. في السنوات الأخيرة تحدث ضباط في الجيش الإسرائيلي، وربما بتقدير مبالغ فيه، عن التحديثات المهنية التي جلبها الروس معهم الى ساحة الحرب الحديثة.
نحن نحترم هؤلاء، لكن يبدو أنه عند شن حرب كهذه فهناك ايضا حاجة الى اعداد القوات والتأكد من أنه يوجد لديهم دافعية للقتال وأنهم يعرفون ما هي اعمالهم هناك. بعض الاسرى الروس، الذين تم تصويرهم في افلام فيديو نشرها الاوكرانيون بمهنية في الانترنت، قالوا لمن قام بأسرهم بأنهم اعتقدوا بأنهم يشاركون في تمرين ولم يعرفوا بأنه يجري غزو حقيقي.
حتى الآن من السابق لأوانه تأبين القوة العسكرية الروسية. على ارض المعركة يسود ضباب حربي ويتم نشر الكثير من المعلومات المضللة عنها. وحتى الآن الروس يوجدون على هوامش المدن في شمال اوكرانيا، وفي الشوارع التي يجري فيها القتال تشاهد قوات كوماندو روسية والى جانبها سيارات مصفحة قليلة جداً.
المعارك في منطقة مأهولة يمكن أن تستمر اشهراً، كما تعلمت قوات الجيش العراقي التي استعانت بمساعدة غربية في القتال أمام رجال داعش في مدينة الموصل فقط قبل بضع سنوات. هناك احتمالية معقولة بأن بوتين، إزاء المقاومة على الأرض والتأييد الدولي الواسع لأوكرانيا، سيقرر تحديد زيادة القوة التي تستخدمها روسيا لكسر معنويات المقاومة المحلية. هذا يمكن أن يؤدي الى سفك الكثير من الدماء في الطرفين. المواجهة ستكون كما يبدو وحشية وقاتلة، ومن شأنها أن تتطور فيما بعد ايضا الى حرب عصابات في المدن، والتي ستتدهور الى حرب استنزاف.
هناك نقطة اخرى للنهاية. فالمقارنة التي تسمع مؤخرا بين الغزو الروسي لأوكرانيا وبين الحروب الأخيرة التي شنتها اسرائيل في لبنان وفي قطاع غزة، هي مقارنة مدحوضة، لا أساس لها وغبية. أولا، الغزو الروسي لم تسبقه صليات صواريخ من أوكرانيا على السكان المدنيين (أو في السابق، ارسال مخربين انتحاريين). ثانياً، لا يوجد أي تشابه بين خطورة العنف الذي استخدمته إسرائيل في حروبها، ضمن ذلك المس بالمدنيين، وبين القوة الوحشية التي استخدمتها روسيا. ومن يشكك بذلك ندعوه الى قراءة التقارير الصحافية عن الدمار الذي تركه خلفه سلاح جو بوتين في قصفه القاتل أثناء الحرب الأهلية في روسيا.

عن «هآرتس»