وسط حالة من الجدل عَقَدَ المجلس المركزي الفلسطيني دورته 31 في السادس من شباط الماضي في مدينة رامالله على مدار ثلاثة أيام وقد جاء هذا الانعقاد بعد انقطاع ٍٍ غير مبرر لأكثر من ثلاثة أعوام ونصف، وفي اعقاب اجتماعه اصدر المجلس المركزي بيانه الختامي متضمناً العديد من القرارات السياسية المهمة تناولت الحالة الفلسطينية بمختلف جوانبها وأحال مهمة تنفيذيها للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينة وهذا امر منطقي كونها تمثل الجهة التنفيذية وعلى عاتقها تقع مسؤولية تنفيذ ما يصدره المجلس من قرارات في مجالات عدة كما على المجلس متابعتها والوقوف على مدى جديتها في تنفيذ ذلك وفق اليات تحددها رئاسة المجلس لحين التئام دورته القادمة بعد ثلاثة شهور حال الالتزام بالنظام ، كما عمل المجلس المركزي في دورته هذه على انتخاب هيئة رئاسة جديدة للمجلس الوطني وكذلك ملئ الشواغر في اللجنة التنفيذية وانتخاب رئيساً لمجلس الصندوق القومي وقد استند المجلس بإجراءاته هذه للتفويض الذي كان المجلس الوطني قد منحه اياه في اجتماعه الذي عقد أواخر نيسان عام 2018، وبالرغم من انني كنت مع الاقلية التي لم تصوت على ذلك في حينه استشعاراً لما قد يحمله هذا الامر من مخاوف الا ان التفويض قد تم ، وهكذا فقد اصبح المجلس المركزي مفوضاً بكافة صلاحيات المجلس الوطني
إن هذا التفويض يضع ايضاً مسؤولية كبيرة على المجلس المركزي ذاته وعلى هيئة رئاسة المجلس ذاتهما تتمثل بالحفاظ على صاحب التفويض وعدم السماح للأيام والاشهر بشطبه وتغيبه وما من شك فان هيئة رئاسة المجلس الوطني التي منحت هذه الثقة تدرك الابعاد القانونية والسياسية لأهمية ذلك وستراعي دون شك كون المجلس الوطني الفلسطيني هو المظلة الشرعية الدائمة للشعب الفلسطيني خاصة وأنه يحلو للبعض بين الفينة والاخرى الحديث عن اهتزاز الشرعيات والانتقاص منها بل ويذهب البعض الى مربعات اكثر خطورة تصل لمرحلة التشكيك بها في وقت نحن بأمس الحاجة فيه للحفاظ عليها وتعزيزها اكثر من اي وقتٍ مضى في ظل ما يشهده العام من انشغالات بملفات ساخنة تكاد سخونتها ان تحجب اهتمام العالم عن قضيتنا الفلسطينية رغم عدالتها وما يقدمه شعبنا من تضحيات، خاصة وان الزمن الذي بتنا نعيشه اليوم ليس زمن تسجيل البطولات واحصاء التضحيات التي نعتز بها دون شك، لكنه زمن القدرة على صون الانجازات وحفظها وتعظيمها وصولاً لإنجاز الحرية والعودة والاستقلال التام.
إن أهم هذه الانجازات يتمثل في منظمة التحرير الفلسطينية التي مثلت الكيانية الفلسطينية في مرحلة التشتت المُر وتمكنت من قيادة نضال شعبنا واضحت بفعل تضحياته التي لم تتوقف ممثله الشرعي والوحيد، وقد اكتسبت هذه المكانة بفعل عاملين أساسين الأول هو ما قدمه شعبنا الفلسطيني في مختلف الساحات من تضحيات أجبرت العالم كله على الاعتراف به وبعدالة قضيته، والثاني بفعل البيئة والمناخ الدولي والإقليمي الذي ساعد في حينه أن تتشكل منظمة التحرير الفلسطينية وأن تحظى بما حظيت به من اعتراف ومكانة، وإذا كان العامل الأول ما زال متوفراً متمثلاً بالمخزون الكفاحي لشعبنا وهو يتجدد اليوم بصمود شعبنا رغم كل الظروف فوق ارضه ومواصلته تحدي الاحتلال وعدوانه المستمر مسطراً اروع نماذج المقاومة الشعبية الناجحة في العديد من البلدات والقرى متمسكاً بالقدس عاصمته الابدية وبالشيخ جراح عنواناً للصمود والتحدي، فإن العامل الثاني المتمثل بالبيئة والمناخ الدولي ودوائر صنع القرار في العالم لم تعد كما كانت عليه في ستينات وسبعينات القرن الماضي، بل على العكس من ذلك نرى أن المسعى المعادي يتربص بشعبنا ويسعى لشطب المنظمة وتبديد مكانتها الجامعة للشعب الفلسطيني ومجسدة لهويته الوطنية.
وما من شك فإن الدوائر المعادية لشعبنا وقضيتنا تتحين الفرص للقضاء على الشرعية التمثيلية لشعبنا وهي تدرك تماماً صعوبة الحصول عليها مجدداً في ظل موازين القوى الحالية ، اقول ذلك اليوم في ظل ما تتعرض له منظمة التحرير الفلسطينية صاحبة الانجازات العظيمة والمكانة الكبيرة والتضحيات الجسام، صاحبة الرصيد والارث الكفاحي المجيد، من مخاطر حيث تقف على مفترق طرق خطر تواجه تحديات عدة تتمثل في عدو خارجي تتداخل خطوطه وادواته في محاولة لشطبها والغاء دورها ومكانتها وبهذا إنه يريد القفز على الحقوق المشروعة لشعبنا الفلسطيني وشطب ما حققته المنظمة من انجازات في ميادين الكفاح كما في المحافل الاقليمية والدولية، اما التحدي الاخر فيتمثل بارتفاع منسوب التشكيك بوحدانية تمثيل المنظمة لشعبنا ويتسلل اصحاب ذلك من بوابة الانقسام البغيض وحالة الضعف الذي تعيشه أيضاً مؤسسات ودوائر المنظمة ويذهب اصحاب هذا التشكيك بين الفينة والاخرى للدعوة نحو تشكيل البديل واهمين بقدرتهم على الحصول مجدداً على اعتراف دولي او اقليمي ناهيك عن وهم حصولهم على التفاف شعبنا الذي لا يمكن ان يتحقق بأي حال من الاحوال، أما التحدي الثالث وهو الاهم فيتعلق بكيفية تعامل ابناء المنظمة وبعض فصائلها مع المنظمة وهي التي كانت بمثابة الرافعة التي حملتهم الى كافة مواقع القيادة لكنهم اليوم يتعاملون معها بكل استخفاف وضيق يصل لدرجة الاسهام في اضعافها وتآكل دورها وتبديد مكانتها والتسليم بعملية خطفها وابتلاعها منذ ما يزيد عن ربع قرن.
إن كل هذا يجب أن يدفع كل الوطنيين الحريصين لبحث كافة السبل في صون المنظمة ومكانتها واستعادة دورها كبيت جامع لكل شعبنا الفلسطيني تتجسد فيه ارقى اشكال الشراكة السياسية، وهذا لا يتوفر قطعاً بالنوايا الحسنة والابتهال إلى الله فقط بل يحتاج لعمل دؤوب تحت مظلة جامعة يمكن بل ومن الملح جداً أن يوفرها المجلس الوطني الفلسطيني تأكيداً لدوره ومكانته التي لم ينتقص منها التفويض المشار اليه آنفاً بل يمكن أن يعززه اذا ما احسن التكامل الناجح في مختلف المجالات، خاصة وان المجلس الوطني القائم حالياً يستند الى نص ِ دستوري واضح لا تنتهي فيه شرعية المجلس القائم إلا بشرعية المجلس الجديد الذي يحل محله وهو ما يستوجب العمل لأجله، إن هذا النص يضمن ديمومة شرعية المجلس الوطني الفلسطيني القائم وهو نص صاغه برؤية صائبة وحكمة ثورية رعيلً من المناضلين الذي حملوا الأمانة وأوصلوها لمن تقع عليهم مسئولية صيانتها وحمايتها في مواجهة التحديات والمخاطر .
رئيس لجنة اللاجئين في المجلس الوطني الفلسطيني