لا حاجة للتأثر بالمصاعب التي يواجهها الجيش الروسي في طريقه إلى احتلال أوكرانيا. فينبغي أن يحصل شيء ما دراماتيكي ومفاجئ كي تكون النتيجة مختلفة عن نصر روسي. يبدو أن العملية نفسها استغرقت أكثر مما قدرت موسكو، لأسباب لا يرتبط أحدها بتصميم الرئيس بوتين. من اعتقد في بداية الطريق أن الزعيم الروسي سيتراجع أو سيخرج عن طريقه جراء نقد الغرب والعقوبات التي رافقته، فقد خاب ظنه، ويجدر به أن يصحو. لن تنتهي الحملة إلا بعد سيطرة كاملة على كييف؛ ولا تحليل معقولاً لخطوات الحرب حتى الآن يمكنه أن يؤدي إلى استنتاج مختلف عن هذا.
تباهت أوكرانيا والغرب بالإنجازات أمام الجيش الروسي في الأيام الأخيرة. بالفعل، تبدو إنجازات، ولكنها نبعت أساساً من مصاعب الروس، ومن طابع القتال الذي اختاروه؛ لأن سفر طوابير مدرعة ودبابات طويلة على طرق هو أمر ينزع تفوقاً نسبياً مما لو كان سفراً سريعاً، ويمنح تفوقاً نسبياً للدفاع: يكفيه أن يضرب الآليتين الأوليين كي تعلق القافلة كلها إلى أن تصل قوة الإنقاذ. يبدو أن هذا تسبب بإعاقة مهمة لحركة القوات الروسية، ولكنه لا يغير السطر الأخير الذي يسير فيه فيلقان في طريقهما إلى حصار كامل للعاصمة الأوكرانية كييف.
هذه التأخيرات غير المخططة (والتي يعزى بعضها بكون الجيش الروسي ثقيلاً، معقداً وقديماً، ومع طريقة تفعيل تناسب الزمن الحالي بقدر أقل) أدت إلى تغييرات معينة في شكل عمل الروس.
في البداية، حاولوا ألا يمسوا بالمدنيين وبالبنى التحتية المدنية؛ وهو أمر نبع من تجنب نقد الغرب، وليس أقل من ذلك من رؤيتهم لأوكرانيا كإقليم محرر يشبه المس به المس ببلادهم. ولكن كلما مرت الأيام، نزع الروس القفازات. هذا واضح في الـ 48 ساعة الأخيرة في بضع مناطق في أوكرانيا، وعلى رأسها خاركيف، مع هجمات مباشرة على التجمعات السكانية وعلى المباني العامة. استخدام الصواريخ والمقذوفات الصاروخية وقذائف الهاون من أنواع مختلفة، جاءت لخلق أثر فزع ولزيادة الردع، ومع الارتفاع في عدد المصابين والتقنين في الغذاء والماء، سيكون هناك تآكل طبيعي في قدرة صمود السكان. ربما يكون هذا ما سيحاول الروس عمله في كييف. ليسوا معنيين بقتال شوارع يكلفهم إصابات كثيرة، ويزيد الضغط الدولي على موسكو. أما الضغط الجسدي غير المعتدل على المدينة، بالمقابل، فسيسمح لهم بمحاولة الوصول إلى تسويات تنقل السيطرة إلى أيديهم دون الاضطرار إلى سفك دماء. ومع ذلك، وإذا ما تطلب الأمر، لن يكون الجيش الروسي نباتياً. إن سجله في سوريا والشيشان يدل على أنه مستعد للسير بعيداً كي يحقق أهدافه.
بغياب أي استعداد للتدخل العسكري، لا يملك الغرب أدوات حقيقية لتغيير هذا السيناريو. ويجب أن يكون النظر إلى الأمام: معاقبة روسيا على أفعالها، ومنع دول أخرى من الإغراء للسير في أعقابها والمبادرة إلى حروب واحتلالات. وهذا يستوجب من الغرب الآن، بقيادة الأمريكيين، التركيز أكثر على الأفعال. فالشجب داخل الأمم المتحدة وفتح تحقيق في المحكمة الدولية بجرائم حرب أمر جميل، ولكن الخلاص لا يأتي من هذا.
عندما تشعر روسيا بأنها تدفع ثمناً حقيقياً، وبالأساس اقتصادي، على أفعالها، فستعيد النظر. إذا كان لأوكرانيا احتمال فهو ليس فورياً، ولا يعتمد على الدفاع البطولي الذي يبديه سكانها، بل على اعتراف روسي، مستقبلاً، بأنها خطوة كانت زائدة وباهظة الثمن وأليمة أكثر، فتقرر الانسحاب.