مُحقق القنطار الإسرائيليّ: منذ اللحظة الأولى ورغم صغر سنّه عرفنا أنّه إنسان عنيد ومؤمن بمبادئه

سمير القنطار
حجم الخط

وقع نبأ اغتيال المُقاوم سمير القنطار، الذي قضى ثلاثة عقود في السجون الإسرائيليّة كالصاعقة على محور المُقاومة والمُمانعة، وتحديدًا على حزب الله، الذي وعد أمينه العّام، قبل تحرير عميد الأسرى اللبنانيين من الأسر، بمُواصلة النضال حتى فكّ أسره.
وفعلاً، وعد الشيخ حسن نصر الله وأوفى، ففي العام 2008، وخلال صفقة التبادل بين حزب الله والدولة العبريّة وضع نصر الله خطًا أحمرًا: لا صفقة بدون تحرير القنطار. الرأي العام الإسرائيليّ استأسد في رفضه لتحرير هذا الـ”قاتل”، الذي وصل إلى مدينة نهاريا الشاطئيّة في العام 1979 وهو في السادسة عشر ونصف ليُنفّذ عملية فدائيّة من أجل فلسطين، التي أحبّته وأحبّها. أمس في نشرة الأخبار المركزيّة في القناة الثانية بالتلفزيون الإسرائيليّ أُجريت مقبلة خارجة عنة السياق مع مُحقق لافي الوحدة 504، التي تختّصر بالتحقيق مع الفدائيين من الدول العربيّة.
قال المُحقق، الذي قام التلفزيون بإخفاء ملامحه إنّ القنطار كان عنيدًا ومتعجرفًا جدًا، وكان مؤمنًا بأنّه فعل الشيء الصحيح، وساق قائلاً: لقد خُضنا معه معركة قاسية جدًا من أجل أنْ يعترف بأنّه هو الذي قتل الطفلة ابنة السنوات الأربع خلال العملية، على حدّ قوله. وتابع قائلاً للتلفزيون: استخدمنا معه أساليب قاسية جدًا، حتى اعترف بأنّه هو المسؤول عن قتل الطفلة.
وعن شعوره بعد اغتياله قال المُحقق، الذي يعمل في الوحدة المذكورة عقود من الزمن إنّه شعور بالارتياح، مع أننّي كنت أتمنّى أنْ تتّم العملية قبل ذلك. وسائل الإعلام العبريّة، التي دأبت على تغطية الاغتيال من جميع الجوانب، ركّزت على أنّ القنطار لم يُعبّر عن ندمه بالمرّة، ولكنّ صحيفة (هآرتس) الإسرائيليّة، نشرت في عددها الصادر اليوم الاثنين مقابلةً مع القنطار كانت قد أجرتها في العام 1995 وفيها قال المُقاوم وهو في السجن: علينا التسليم بأنّ إسرائيل هي دولة قائمة، ولا مجال لإنكار ذلك. علاوة على ذلك، ينبغي النظر إلى حقيقة أنّ إسرائيل ترى أنّ اغتيال القنطار يأتي ضمن إطار الخطوط الحمر التي يرددها مسؤولوها، ومن ضمنها منع التسليم بأيّ نشاط مقاوم انطلاقًا من الأراضي السورية.
مع ذلك، من الواضح أنّ إسرائيل أرادت، إلى جانب اغتيال أحد الناشطين في هذا المسار، توجيه رسالة مفادها أنّها لن تتهاون مع أي نشاط للمقاومة انطلاقًا من الأراضي السوريّة، وتحديدًا من الجزء المُحرر من هضبة الجولان العربيّة السوريّة. كذلك أرادت إحداث تعديل في المعادلة على الأراضي السوريّة، تنطوي على توسيع هامشها ودائرة اعتداءاتها. ومن أبرز معالم هذا الهامش الجديد، حقها في اللجوء إلى كل الأساليب التي تملكها. وفي الوقت نفسه، حاولت إسرائيل الإيحاء بأنها على استعداد لتحمل الأثمان المقابلة والاستعداد لكل السيناريوهات، مع أنها في الحقيقة تستند إلى دور الجماعات التكفيرية التي تشغل الجيش السوري وحلفاءه، الأمر الذي قد يدفع قيادة المقاومة إلى تجنّب فتح أكثر من جبهة. في المقابل، يأتي اغتيال القنطار، ومن سبقه من كوادر حزب الله، بأساليب مشابهة لجهة استخدام سلاح الطيران، ليضيء على رسالة المقاومة التي تؤكد نشاطاتها أن انشغالها في مواجهة الخطر التكفيري لن يكون على حساب أولوية محاربة العدو الإسرائيلي، وإعداد البنى التحتية لمقاومة سورية في الجولان. يبقى أنْ نشير إلى حقيقة أنّ هذا الاغتيال يأتي بعد مجيء القوات الروسية إلى سوريّة، وبعد نصب منظومة الدفاع المُتقدّمة والمُتطورّة من طراز إس400، وهذا الاغتيال يضيء على معالم التنسيق التي تمت صياغتها بين الجيشين الروسي والإسرائيلي. ويؤكد حقيقة أنّ مجيء الجيش الروسي إلى سوريّة لم يكن، ولن يكون، ضمن سياق تحالفات تتصل بالصراع مع إسرائيل، بل على خلفية تقاطعات تتصل بمواجهة التهديد الإرهابي المحدق بالدولة السورية وبالأمن القومي الروسي.
علاوة على ذلك، ينبغي التذكير بحقيقة أنّ العلاقات الثنائية بين موسكو وتل أبيب، التي تشمل مختلف المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية، هيّأت الأرضية للتنسيق القائم على تحييد الروسي عن حركة الصراع بين إسرائيل والمقاومة. نتيجة ذلك، لا يقف الجيش الروسي في مواجهة الإسرائيلي ما دام أداؤه يندرج ضمن إطار الصراع مع المقاومة ولا يتصل بمجريات المعركة مع الإرهابيين. لذلك، فإنه لا المقاومة ملزمة أو مقيّدة بتوجهات الروسي في هذا المجال، ولا الجيش الروسي ملزم بأولويات المقاومة. مُضافًا إلى ذلك، يجب التأكيد والتشديد على أنّ روسيا لم تأتِ إلى سوريّة بهدف خوض الحرب عن العرب لتحرير مرتفعات الجولان منذ العام 1967، بلْ لسببين رئيسيين: الأوّل المُحافظة على حليفتها الإستراتيجيّة سوريّة وضمان مصالحها الإستراتيجيّة في بلاد الشام، وثانيًا، لأنّ موسكو تُريد القضاء على التكفيريين الإرهابيين، قبل أنْ يعودوا إلى روسيا ويقوموا بتنفيذ أعمالٍ إرهابيةٍ كما هو الحال في أوروبا الغربيّة.
وفي الخُلاصة يجب التشديد على أمرين: الأوّل أنّ المخابرات السوفيتيّة هي التي كشفت في الستينيات من القرن الماضي أمر الجاسوس الإسرائيليّ، إيلي كوهن، الذي وصل إلى أعلى المراتب في القيادة السوريّة آنذاك، وثانيًا، يجب التذكير أيضًا بأنّه في العام 2008 تمّت عملية اغتيال الشهيد عماد مغنية في قلب العاصمة السوريّة، دمشق، ولم تكُن منظومة الدفاع الروسيّة من طراز إس400 منصوبة على الأرض السوريّة.