بعد أسبوع ونصف من نشوب المعركة في اوكرانيا يتضح أن هذا حدث على مستوى تاريخي، ويهز النظام العالمي مثلما صمم منذ نهاية الحرب الباردة. هذه أزمة ستصدح آثارها زمناً طويلاً، وقد تؤدي الى إسدال "ستار حديدي جديد" يقسم العالم على الأقل بين قطبين سياسيين، ثقافيين واقتصاديين. وسواء حقق بوتين أهدافه الكاسحة أم تضررت موسكو في أعقاب العقوبات السابقة التي فرضت عليها، بل قدمت تنازلات في أعقابها، فإن الواقع لن يعود ليكون ما كان عليه قبل 24 شباط.
ضبطت الأزمة في أوكرانيا الشرق الأوسط – بما في ذلك إسرائيل – في ذروة مشاغل استراتيجية في ضوء هبوط نجم واشنطن كقوة للهيمنة في العالم، كما تجسدت بالانسحاب العاجل من أفغانستان، والسلبية تجاه الصراع الجاري في الخليج، وفي العودة المتوقعة للاتفاق النووي، وبالمقابل في تعزز الثقة بالذات وجسارة طهران وحلفائها. الأزمة في اوكرانيا تعظّم هذه الميول: الغرب يبدو في ضعف عميق رغم الخطوات المضادة الدراماتيكية التي سبقت ذلك، وفي "معسكر المقاومة" يتحقق اعتراف بموجبه تعزز ضعضعة النظام العالمي مكانة أعضائه وتمس بمكانة الدول السنية وإسرائيل.
في ضوء تغيُّر النظام العالمي فإن إسرائيل مطالبة بأن تدمج بين الحذر، التكيف مع التغيرات، وصد التهديدات المتعاظمة. والمركزي بينها هو المشروع النووي الإيراني. تشعر طهران بارتياح في عالم يكون فيه التحدي لقوة واشنطن، وتتعزز حيوية القوة النووية (الدرس من مصير أوكرانيا)، ومن المعقول أن تسرع تقدمها نحو هذا الهدف في ظل محاولة انتزاع اتفاق جديد بشأن هذا الموضوع.
على إسرائيل ان تواصل تركيز الجهد على النووي الإيراني، وتسريع بناء القوة لإحباطه. كل ذلك في ظل استخلاص الدرس من الأزمة في أوكرانيا، وبموجبه تكون قدرة الغرب على منع التهديد بأدوات سياسية او اقتصادية هزيلة، وبالوسائل العسكرية غير قائمة. بالتوازي مطلوب استخدام سياسي وإعلامي لوقوف طهران الى جانب روسيا من أجل تجسيد الاحتقار الإيراني الأساس تجاه النظام العالمي.
تقف إسرائيل أمام واقع معقد، بعضه يتغير دراماتيكيا بينما يبقى بعضه مثلما كان، وبالتالي فان عليها أن تحافظ على الذخائر القائمة، ولكن أن تستعد لتضعضعها أيضا. في الجبهة الشمالية من الحيوي الإبقاء على التنسيق الاستراتيجي مع موسكو والذي يمنح قدرة عمل ضد بناء القوة الإيرانية وفروعها، وحيال الولايات المتحدة الحفاظ بتزمت على مكانة الحلف الاستراتيجي. ولكن في الوقت ذاته تطوير القوة الذاتية لإسرائيل والتعلم من الازمة الحالية بشأن الاستعداد المحدود للغرب للتدخل في نزاعات خارجية (كما يجري في اوكرانيا). اضافة الى ذلك مطلوب ابراز الذخر الاستراتيجي لإسرائيل في ضوء علاقاتها الطيبة مع الطرفين المتصارعين، مثلما عبر ذلك عن نفسه في زيارة رئيس الوزراء بينيت الى موسكو، أول من امس. في السياق الداخلي من الحيوي اتخاذ نهج مخفف حول استيعاب مهاجرين من اوكرانيا، وفتح الأبواب أمام اللاجئين، وتوسيع المساعدة المدنية للدولة.
ويوجد أيضا ارتباط بالموضوع الفلسطيني، والذي يميلون في إسرائيل او يفضلون ألا ينشغلوا به، والذي ينطوي على غياب الاستراتيجية وتنفيذ القرارات الحاسمة بشأنه على تهديد وجودي مستقبلي. تساهم الازمة في اوكرانيا في ازاحته تقريبا عن جدول الاعمال الإسرائيلي والعالمي. الى جانب التركيز على الصراع الكتلي المتجدد، وعلى النووي الإيراني، وعلى المشاكل الداخلية في إسرائيل، من الحيوي ان يهتم أصحاب القرار بتلك المسائل التي تتميز حاليا بهدوء خادع ولكنها تنضج على نار هادئة، وعلى مدى الزمن ستكون ذات آثار لا تقل عن آثار الأزمة العالمية الحالية، بل ربما تفوقها.
عن "يديعوت"