تدرك روسيا ان الولايات المتحدة الامريكية قد لا تقبل بسهولة انتصارها في هذه الحرب التي باتت حرب وجود وقوة لروسيا حتى لو دفعت امريكا بحلفائها للدخول في هذه الحرب عمليا وليس من وراء ستار كوكلاء يشاركوا في الحرب ويدافعوا عن وجودها بأوروبا وهذا ما يعقد الحرب يوما بعد يوم حتى باتت هناك خشية اممية من تدحرجها لحرب عالمية ثالثة ان سمحت واشنطن بحلفائها الدخول على خط المواجهة العسكرية خارج أراضي أوكرانيا وان حاولت واشنطن نشر مزيد من أسلحتها التدميرية في أوروبا والشرق الأوسط واسيا. المعروف ان الولايات المتحدة الامريكية تدير الحرب على الأرض الأوكرانية خشية ان تصبح روسيا قوة تكسر هيبة أمريكا ليس في اوروبا وانما بالعالم كله وبالتالي تحد من هيمنة الولايات المتحدة الامريكية العسكرية والسياسية على مجمل المشهد الأمني والسياسي في اوروبا والشرق الأوسط. هذه حسابات منطقية لمدي اتساع الحرب الحالية ومدي بقاء الولايات المتحدة وحلفائها خارج دائرة المواجهة العسكرية، وهذا ما دفع بكل حلفاء روسيا وامريكا الاستعداد رسميا لأمر كهذا محتمل.
لم يعد امام روسيا أي خيار اخر غير الاستمرار في الحرب ليس لنزع سلاح اوكرانيا النووي وتحييد أوكرانيا عن انضمامها لحلف شمال الاطلسي واعترافها بولاية روسيا على جزيرة القرم واستقلال كل من دونيتسك ولوغانسك, بل لرسم خارطة اوروبا الأمنية لسنوات قادمة ما يعيد صياغة ميزان القوي ويجعل من روسيا قوة عسكرية مؤثرة في مستقبل القارة الاوربية ونظم تسليحها وتحالفاتها . الحرب في عمقها هي مواجهة خفية بين روسيا والولايات المتحدة علي الأرض الأوكرانية , وجدت فيها أمريكا حاجتها لان تضعف روسيا وتنهكها في حرب تعتقد ان انتصار روسيا فيها صعب وسوف تستخدمها لاستنزاف روسيا عسكريا واقتصاديا عبر فرض عقوبات اقتصادية كبيرة تطال معظم المؤسسات المصرفية الروسية وامتداداتها بالعالم وتجند المزيد من دول العالم لصالح بقائها قوة مهيمنة علي كل شيء , لذلك ستكتفي أمريكا وحلفاءها في حلف شمال الأطلسي بدعم القوات الأوكرانية بالمال والعتاد والسلاح الفتاك في المرحلة الاولي مع السماح لمرتزقة غربيين للقتال الي جانب الأوكرانيين وافشال تحقيق روسيا أهدافها الاستراتيجية من هذه الحرب .
ان انتصار روسيا يعني نجاحها في تحقيق أهدافها كاملة وهذا له ما بعده سواء توقفت الحرب واستجاب الاوكران للشروط الروسية او ذهبت الحرب الي السناريو الأخير في تحويل أوكرانيا لدولة جاره منزوعة السلاح وهذا من شانه ان يجعل قوة روسيا مضاعفة في اوروبا ما سيساهم في إعادة صياغة موازين القوي بالعالم وبالتالي لن تبقي الولايات المتحدة الامريكية القوة الوحيدة المتحكمة بكل شيء بالعالم , وهنا اعتقد ان هيبة أمريكا ستكسر ولن يستمر حلفاءها بالأيمان بقوتها المطلقة لحمايتهم من أي تهديد اخر وهذا سيؤثر علي خارطة التحالفات التي تقودها الولايات المتحدة بالعالم واهمها الحلف الذي تشكل مؤخرا بالعالم العربي, أوروبا نفسها ستفكر في تحالف اقوي مع الدولة الأقوى وهي روسيا التي فرضت شروطها لتامين اراضيها وحققت ذلك بالنار والقوة ,هذه التحالفات ستؤثر بالتأكيد علي الحلف المقابل والذي دائما يتباهى بقوته العسكرية وهو حلف شمال الأطلسي وعلي تربع أمريكا كقوة علي رأسه. الاتحاد الأوروبي سيكون امام فرصة حقيقية للخروج من تحت العباءة الامريكية ويشارك روسيا رؤيتها للتدخل المتزن عالميا لتجسيد عوامل الامن والاستقرار في أوروبا والشرق الأوسط، اليوم اسرائيل تقرا المشهد جيدا وبدأت تحسن علاقاتها مع روسيا، لذا بادر رئيس وزراءها (نفتالي بينت) بالذهاب الي الكرملين ولقاء بوتين في خطوة نفهمها ان اسرائيل تريد ان تمتين العلاقة مع روسيا حتى في زمن الحرب دون ان تخسر الامريكان.
لم يوافق حلف شمال الأطلسي على طلب أوكرانيا مؤخرا بحظر الطيران فوق اوكرانيا لتفادي الضربات الجوية الروسية والتي أنهكت قواه العسكرية وباتت تحسم الحرب لصالح روسيا باعتبار ان أوكرانيا ليست عضو (بالنيتو ) ويخشى حلف شمال الأطلسي توسيع الحرب ان فعل ذلك خاصة ان (بوتين) رد على ذلك بقولة “كل تحرك في هذا الاتجاه سيتم النظر إليه من جانبنا على أنه مشاركة من الدول المعنية في الصراع المسلح". بعد عشرة أيام من الحرب أمريكا وروسيا بدا يغيران استراتيجيتهم في الحرب أمريكا تؤمن باستمرار مد أوكرانيا بالسلاح المتطور مع اعتماد خطة لتوريط روسيا في حرب طويلة الأمد على الأرض الأوكرانية لاستنزاف قدراتها القتالية ورفع معدل خسائرها البشرية لإفشال مخططها في أوكرانيا، هنا سوف تلجا روسيا الي الإسراع في حسم المعركة والتقدم لحصار (كييف) خلال الأيام القليلة القادمة لترغم السلطات الأوكرانية على الاستجابة لشروط روسيا من خلال المفاوضات في مينسك.
ليس امام روسيا سوي الانتصار في هذه الحرب اليوم وتحقيق أهدافها كاملة لتبقي قوة عظمي وبالتالي تعيد صياغة موازين القوي بأوروبا كلها وتصنع من هذا الانتصار هيبة لوجودها على حدود أوروبا ما يدفع نحو استقرار القارة الأوروبية ووقف تسليح بلدانها بعد توجه كل من المانيا وفرنسا وإيطاليا وبولندا وبريطانيا بالتفكير في إعادة بناء ترسانتهم من السلاح خشية ان تبقي المواجه قائمة بين روسيا وحلف شمال الأطلسي وتتدحرج لمواجهة اوربية روسية. علي العكس فان مجرد التفكير في فشل الحملة العسكرية على أوكرانيا من شانه ان يعيد روسيا قرون للوراء وتعيش من الان فصاعدا تحت هيمنة (النيتو) ونفوذ الولايات المتحدة التي ستصبح القوة العظمي المخيفة في العالم وسوف تتحكم اوروبا في الاوكسجين الذي يتنفسه الشعب الروسي وقد يصل الحد الي نزع سلاحها النووي وصواريخها الباليستية وتقديم بوتين للجنائية الدولية.