يرى اليمين الإسرائيلي في حرب أوكرانيا درساً قاطعاً: إسرائيل قوية. وهو كالدرس الذي يُلقّن لبعثات أوشفيتس، وهو القوة والقوة والمزيد من القوة، العسكرية بالطبع. إسرائيل يمكنها الاعتماد على نفسها فقط. لأننا تعلمنا من درسي الكارثة وأوكرانيا أن القوة هي الأساس وليس الصورة الأخلاقية أو المكانة الدولية. هذا الدرس يعفي إسرائيل من الالتزام الأخلاقي أو التضامن الدولي. لا يجب استيعاب لاجئين أو الاستجابة للقانون الدولي، يمكن مواصلة الاحتلال والاستخفاف بالعالم. فقط أعطوا إسرائيل المزيد من القنابل، وستتدبر أمرها بنفسها. من مجمل ادعاءات إسرائيل، هذا هو الادعاء الأكثر الذي لا أساس له والأكثر إثارة للغضب.
إسرائيل بدون دعم الغرب لا شيء. بدون المكانة الدولية الخاصة التي نجحت في خلقها لنفسها، بحق أو بدون حق، لمحيت منذ زمن. ليست القنابل هي التي تحمينا، بل إن المكانة التي تشبه مكانة الدولة العظمى التي بنتها لنفسها، هي التي تلقي الرعب على نصف العالم بابتزاز التعاطف، أكثر بكثير من قدرتها العسكرية. لهذا السبب، على إسرائيل أن تتعلم من أوكرانيا درساً معاكساً، لا تكفي القوة العسكرية، ولا يمكن أن تنجو وحدك، ثمة حاجة إلى مكانة دولية قوية، ولا يتم تحقيق هذا الأمر بتطوير الطائرات بدون طيار التي تلقي القنابل.
من المحزن رؤية كيف أن كل شيء يعيد الإسرائيليين إلى التمسك بإيمانهم الأسطوري بالقوة. بدون جيش الدفاع الإسرائيلي، لرمينا في البحر، ولولا الطيارون لكنا في الأفران… هذه حقيقة مضللة. نحن بالطبع بحاجة إلى قوة عسكرية، لكننا سنضيع من غير المجتمع الدولي. أولاً، لأن قوة إسرائيل العسكرية ترتكز على المساعدات الأمريكية. لن وجود لإسرائيل بدون يوم واحد بلا أمريكا. لا في الأمم المتحدة، ولا في ساحة الحرب. ستتعطل آلة الحرب بمقاطعة برغي واحد. اسألوا سلاح الجو. لذلك، القوة العسكرية المبجلة والمطلوبة ترتبط بحسن نوايا المجتمع الدولي.
أساس قوة إسرائيل جاء من المكانة الخاصة التي كسبتها لنفسها. العالم يخاف من إسرائيل، وهو مشلول إزاء سلوكها منفلت العقال أحياناً، وعاجز أمام أخطائها ووقاحتها. حين تقول إسرائيل هذا “لاسامي”، يصمت العالم.
هذا ليس بسبب مفاعل ديمونا، بل بسبب “يد واسم”. مشاعر الذنب لدى العالم، التي تعرف إسرائيل كيف تطورها وتستغلها لمصالحها ولدعم المؤسسة اليهودية القوية، هي التي تعطي إسرائيل مكانتها. وبابها المفتوح على مصراعيه في واشنطن أكثر مما هو لأي دولة أخرى في العالم، يعطيها القوة الدولية، من موسكو وحتى دلهي، من كييف إلى أبو ظبي. عندما تريد ألمانيا إذناً لبيع الغواصات، وكذا حين تريد الولايات المتحدة بيع الطائرات، فهذا ليس بسبب قوتها العسكرية. ولا يفتح فلاديمير بوتين الباب لرؤساء حكومات إسرائيل بسبب دورية رئاسة الأركان، بل بسبب مكانتها الخاصة التي يجب تطويرها.
إذا استمرت إسرائيل في الاعتماد على قوتها العسكرية فقط، وعلى مشاعر الذنب وابتزاز التعاطف، ستتلاشى مكانتها. الأجيال الجديدة التي لم تعرف يوسيف، لن تعرف لماذا عليها مواصلة الانحناء أمام الدولة الصغيرة في الشرق الأوسط، التي تقوم بالابتزاز. الحفاظ على هذه المكانة الرائعة لا يكون إلا بالتعاون مع المجتمع الدولي وليس بإدارة الظهر له. سيأتي يوم يمل فيه العالم من وقاحة إسرائيل، فهي دائماً تأخذ ولا تعطي، وسيأتي يوم تسأل فيه واشنطن لماذا هي دوناً عن جميع الدول يحق لها أن تُعطى هذا القدر الكبير من الأموال والسلاح على حساب دافع الضرائب الأمريكي. هذا اليوم يقترب.
كانت حرب أوكرانيا فرصة للبدء بتفكير مختلف في إسرائيل، تدرك بأنه لا يمكن البقاء بدون دعم العالم، ولا يمكن كسب دعمه برفض جميع قراراته والوقوف جانباً إزاء كوارثه. ليس الدرس هو الذي يدعو إسرائيل لإغلاق أبوابها والتركيز فقط على اليهود فيها والاعتماد فقط على جيشها، هذا هو الدرس الحقيقي القادم من كييف.