فلسطين بين تعسف منظومة الاحتلال وتناقض سياسات الغرب

سنية الحسيني.PNG
حجم الخط

بقلم سنية الحسيني

 


 لعله من الملاحظ لمن يتابع أخبار دولة الاحتلال الإسرائيلي خلال الأيام الأخيرة تزامن خبرين يعكسان الواقع المعقد الذي يعيشه الفلسطينيون في ظل نظام احتلالي عنصري مدعوم كلياً من الغرب. وفي حين تواردت أخبار تدفق آلاف اللاجئين من يهود أوكرانيا إلى إسرائيل، جاء خبر آخر يفيد بإقرار قانون منع لم شمل العائلات الفلسطينية على ذات الأرض. يحمل ذلك التناقض واقع حال الفلسطينيين في ظل سيطرة دولة الاحتلال والتي تسعى، وقبل نشأتها، لجلب اليهود إلى فلسطين على حساب سكانها الأصليين. وينطبق ذلك الأمر ليس فقط في إطار أراضي ١٩٤٨، بل يمتد أيضاً ضمن نطاق الأراضي المحتلة عام ١٩٦٧، والتي تمثل حسب قرارات الشرعية الدولية حدود دولة فلسطين.
ويتضح ذلك جلياً من خلال تمدد الاستيطان وزيادة أعداد المستوطنين في حدود أراضي الدولة الفلسطينية، ومساعي دولة الاحتلال الحثيثة لتصفية قضية اللاجئين، وحرمانهم من حقهم بالعودة حتى ضمن نطاق تلك الأراضي.
 ومن جانب لا ينفصل أظهرت الحرب الروسية الأوكرانية الحالية مدى الدعم والمساندة التي تتمتع بها إسرائيل، كقوة احتلال تحتل الأراضي الفلسطينية وتشن حرباً ممتدة ومستمرة على الفلسطينيين منذ عقود طويلة. وكشفت سياسات الدول الغربية المتعددة ومتشعبة الاتجاهات خلال الحرب الروسية الأوكرانية تجاه روسيا، والتي تعددت ما بين العقوبات الاقتصادية القاسية والتحركات السياسية المكثفة والإجراءات القانونية السريعة في سبيل حماية أوكرانيا، مدى الظلم الذي وقع على الفلسطينيين من قبل العالم الغربي، الذي دعم المعتدي ووقف ضد شعب مظلوم.
في الخبر الأول، أعلنت سلطات الهجرة في دولة الاحتلال قبل يومين عن استقبالها أكثر من ٨ آلاف لاجئ أوكراني، منذ بدء الغزو الروسي لبلادهم. يأتي ذلك في إطار خطة طوارئ أعلنت عنها إسرائيل مع بدء اندلاع هذه الحرب، تتطلع لاستقدام ١٠٠ ألف لاجئ أوكراني، خلال الأشهر القليلة القادمة. وقدرت الوكالة اليهودية، التي تعمل إلى جانب الحكومة الإسرائيلية والمنظمة الصهيونية العالمية في إطار خطة الطوارئ، عدد يهود أوكرانيا حالياً بـ ٢٠٠ الف شخص، وتعمل الأجهزة الثلاثة بشكل مكثف على الحدود البرية الأوكرانية، من أجل استقدام أكبر عدد منهم لإسرائيل. ويبدو أن نفتالي بينت يستخدم دوره كوسيط بين البلدين المتصارعين، لإقناع قيادتها لتيسير تنفيذ خطة الطوارئ التي وضعتها بلاده.
قضية استقدام اللاجئين هي الأساس الذي قامت عليه دولة الاحتلال، فالحركة الصهيونية، بمساعدة بريطانيا، عملت قبل قيام إسرائيل على تغيير التركيبة الديمغرافية في فلسطين من خلال استقدام المهاجرين اليهود إليها، وبعد أن كانت نسبة اليهود في فلسطين ٥٪ عام ١٩١٧ باتت ٣٥٪ عام ١٩٤٧، حيث قدر عدد اليهود في حينه بـ ٧١٦ الف شخص. مع العلم أن نسبة يهود فلسطين لم تتجاوز ٢٪ من نسبة عدد الفلسطينيين في النصف الأول من القرن التاسع عشر. ملايين اللاجئين اليهود دخلوا إلى الأراضي الفلسطينية، بعد اعلان دولة الاحتلال عن قيامها فوق هذه الأراضي، حيث تضاعف عدد اليهود في فلسطين بعد ثلاث سنوات، ووصل عام ١٩٥١ إلى حوالي مليون ونصف يهودي، وفي عام ١٩٦٠ اضيف مليون يهودي جديد إلى تعداد السكان من خلال الهجرة، وبعد عام ١٩٧٠، تخطى عدد اليهود في إسرائيل ثلاثة ملايين.
في عام ٢٠١٥، أعلنت إسرائيل عن استقبال ٣٠ ألف مهاجر يهودي، في أكبر موجة هجرة وصلت إليها خلال الـ ١٢ عاماً التي سبقتها، جاء معظمهم من أوكرانيا وروسيا وفرنسا. وقدر عدد اللاجئين اليهود الذين دخلوا إلى إسرائيل بمتوسط ١٢ ألف يهودي سنوياً، وتم استيعاب معظمهم في المستوطنات الإسرائيلية المقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام ١٩٦٧. وتفصح سلطات الاحتلال عن نيتها استيعاب لاجئي أوكرانيا الجدد في تلك المستوطنات. من الواضح أن إسرائيل تستمر في سياستها القائمة على استقدام اللاجئين، وتعمل الآن على تكديس هؤلاء الجدد من اليهود في الأراضي المحتلة عام ١٩٦٧، لتغيير التركيبة الديمغرافية فيها، خصوصاً في ظل عدم وجود أفق سياسي لوقف تلك السياسات حالياً. وتسيطر إسرائيل بشكل كامل على ثلثي الضفة الغربية، وتوسع مستوطناتها ضمن نطاقها، وتضع مخططات لزيادة عدد سكانها، الذي تخطى بالفعل عدد الفلسطينيين في ذلك الثلثين من الأرض، دون رقيب أو حسيب.
في الخبر الثاني، أعلنت إسرائيل عن إقرار الكنيست بالقراءة الثالثة والأخيرة قانون منع لم شمل العائلات الفلسطينية، ويعني باختصار تعقيد حصول الفلسطينيين من سكان الضفة الغربية وقطاع غزة المتزوجين من فلسطينيين يحملون الجنسية الإسرائيلية أو هوية القدس، على الإقامة الدائمة في إسرائيل والعيش مع أسرهم حياة طبيعية. ولا يعني ذلك أن الفلسطينيين قبل إقرار القانون بشكل نهائي كانوا يحصلون على الإقامة الدائمة بشكل طبيعي، لأن معاناة هذه الشريحة بدأت منذ قدوم السلطة الفلسطينية، وأخذت شكلاً متدرجاً بدأ بتعطيل حصول الفلسطينيين في إسرائيل والقدس على لم شمل أسرهم من خلال تعقيد الإجراءات وليس من خلال القانون، الى أن أقر القانون أول مرة عام ٢٠٠٣، وكان لمرة واحدة، ثم تم تجديده سنوياً، منذ ذلك الوقت حتى عام ٢٠٢١. كما تم خلال هذه السنوات إضافة تعقيدات إضافية طالت سكان قطاع غزة، وأضيفت جهات جديدة للحظر ضمت الدول العربية التي وصفتها دولة الاحتلال بـ «دول معادية».
إن هذه الإجراءات والقانون تجعل الفلسطينيين من حملة الجنسية الإسرائيلية يعاملون معاملة أدنى من الأجانب في إسرائيل والذين يحصلون على الإقامة الدائمة بشكل متدرج، وفي ظل عدم إمكانية المقارنة مع اليهود الذين يحصل أزواجهم على الجنسية بمجرد الوصول إلى المطار. يفسر ذلك في إطار قانون المواطنة لعام ١٩٥٢، الذي يمنح اليهودي الجنسية الإسرائيلية بمجرد دخولهم لإسرائيل، وقانون العودة لعام ١٩٥٠، الذي يعطي الحق لكل يهودي بـ «العودة» لإسرائيل، ومع قانون القومية لعام ٢٠١٨ الذي يعتبر إسرائيل دولة للشعب اليهودي. وأكدت إيليت شاكيد وزيرة الداخلية الإسرائيلية أن إقرار هذا القانون مهم لإسرائيل من الناحية الأمنية والقومية، لأنه يضمن حماية يهودية الدولة. واعتبر يائير لابيد وزير الخارجية الإسرائيلي في تغريدة له العام الماضي ان هذا القانون هو أحد الأدوات المصممة لضمان الأغلبية اليهودية في إسرائيل. وليس هناك معلومات دقيقة لدى الفلسطينيين حول أعداد الذين تضرروا جراء تلك الإجراءات أو القانون، إلا أن تقارير إسرائيلية تفيد بأنهم بالآلاف.
إن سياسة دولة الاحتلال داخل إسرائيل تجاه الفلسطينيين لا تنفصل عن سياستها تجاههم في الأراضي المحتلة عام ١٩٦٧، اذ يتنكر قادة تلك الدولة بجرائمهم تجاه الفلسطينيين من جرائم الإبادة الجماعية الممثلة بالمجازر التي اقترفتها الجماعات الإرهابية اليهودية وجيش الاحتلال وتخفي آثار معظمها حتى اليوم، وبطردها معظم الفلسطينيين خلال النكبة، حيث هجر نصف السكان الفلسطينيين إلى خارج فلسطين في تلك الفترة، وبقي جزء آخر في نطاق الضفة الغربية وغزة. لا تمنع القوانين الإسرائيلية هؤلاء الفلسطينيين المهجرين وذريتهم من العودة لبلادهم فقط، بل تعقد إمكانية زيارتهم لوطنهم، بعد أن باتوا يحملون جنسيات دول اللجوء. هذا بالإضافة إلى تهرب إسرائيل من طرح قضية اللاجئين في إطار أي جولة مفاوضات حدثت مع الفلسطينيين، رافضة رفضا قاطعاً إمكانية عودتهم إلى إسرائيل، ومشترطة لاستيعابهم في الدولة الفلسطينية قدرتها الاستيعابية. وسمحت إسرائيل بالفعل منذ مجيء السلطة الفلسطينية بدخول أعداد محددة من اللاجئين الفلسطينيين، ولا تزال تسمح بذلك بشكل مقنن وعلى فترات متباعدة، تحت بند «لم الشمل لأسباب إنسانية»، وفي نطاق الأراضي المحتلة عام ١٩٦٧ فقط.  
وكشفت مواقف الولايات المتحدة والدول الغربية من الحرب الروسية الأوكرانية، والتي اعتمد الفلسطينيون عليها كوسيط منذ عقود وعلى الدول الغربية كداعم وممول لمشروع عملية السلام، أنها دعمت قوة الاحتلال ضدهم. وتدعم الولايات المتحدة وحلفاؤها من الدول الغربية إسرائيل، وتعتبرها دول شريكة لها، في نهج لم ينقطع، بل زاد وترعرع على مدار العقود الماضية. في حين تخضع روسيا بعد غزوها لأوكرانيا إلى عقوبات اقتصادية مدمرة، تواجهها روسيا الدولة القطبية بصعوبة، فماذا لو كانت إسرائيل هي من واجه مثل هذه العقوبات! لقد استخدمت أميركا ٤٤ فيتو لتقوض قرارات تدين إجراءات إسرائيل كدولة احتلال ضد الفلسطينيين، في حين قادت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون مبادرة في مجلس الأمن، بعد استخدام روسيا لحق النقض لإسقاط مشروع قرار صيغ ضدها، تبني قرار إجرائي لا يخضع لحق النقض، ويدعو الجمعية العامة إلى عقد جلسة استثنائية طارئة، وفقاً لقرار الجمعية العامة ٣٧٧ لعام ١٩٥٠، والمعروف باسم «الاتحاد من أجل السلام»، وهي المرة الأولى منذ أربعين عاماً، الذي يتخذ فيها مجلس الأمن مثل هذه الخطوة. لقد كثر حديث الغربيين الآن عن حق الاوكرانيين في الدفاع عن أنفسهم في ظل الغزو والاحتلال الروسي، كما بتنا نسمع عن حق الدفاع الجماعي عن النفس، والذي يسمح للدول بالرد على طلب المساعدة من بلد يتعرض للهجوم، ودخل الجدال الآن حول دور المرتزقة في مساعدة أوكرانيا وتصنيفهم في القانون، في حين توصم حركات المقاومة الفلسطينية بالإرهاب، وتحاربها سياسياً واقتصادياً وتقف متفرجة أمام استهداف أعضائها عسكرياً من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، وتقاطع وتعاقب الدول التي تدعمها.