معاريف – التاريخ لا يعمل وفق فرضيات أخلاقية ..!

حجم الخط

افرايم عنبر – معاريف 

 

حذر حكومة إسرائيل في سياستها تجاه روسيا في أعقاب غزوها لأوكرانيا يثير الصخب لدى صحافيين، مثقفين وما شابه. غير أن القراءات المبسطة التي تترافق والأخلاقية وتنطلق في البلاد وبموجبها علينا أن نكون في الجانب الصحيح من التاريخ، تكشف عن جهل تاريخي ونسبية أخلاقية.
ليس للتاريخ جانب صحيح، وهو لا يعمل وفقا لفرضيات أخلاقية إلا إذا كنا شركاء في المعتقد الماركسي بالحتمية التاريخية التي تؤدي إلى حكم الطبقة العاملة – البروليتاريا.
ولكن هذه جنة عدن الماركسية، التي يمكن أن يقال بثقة إنها خيبت الأمل.  وسواء شئنا أم أبينا فإن التاريخ يكتبه المنتصرون في الصراعات وفي الحروب. وأولئك الذين يحققون الانتصارات ليسوا بالضرورة المحقين. وحتى المؤمنون بالرب من بينهم يعرفون أنه توجد فترات خفية لا يكون فيها دور رباني والعالم كعادته يسير.
التاريخ كان بالتأكيد سيبدو مختلفا لو أن هتلر وظف جهده وماله في بناء قنبلة نووية.
هذه الإمكانية كانت معقولة، ومن حظنا أنها لم تحصل. كما أنه صحيح القول إن انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية ينبغي أن يعزى لشركة جنرال موترز النفعية التي نظمت نفسها على نحو مميز لإنتاج آلة الحرب. لا يوجد أي شهادة على اعتبارات أخلاقية في هذه القصة.
فهل مرغوب فيه أن نكون في جانب المنتصرين؟ بالتأكيد. هل نعرف منذ الآن من المنتصر في المواجهة بين زعيم روسيا بوتين وبين زعيم الغرب الرئيس بايدن؟ في كل حال أعلنت إسرائيل عن التصاقها بالغرب بل وصوتت في صالح شجب روسيا في الأمم المتحدة رغم أن الغرب أخطأ حين تجاهل احتياجات أمن روسيا في توسيع الناتو.
إن التهجم على الحكومة على أنها ظاهرا لا توجد «على الجانب الصحيح من التاريخ» هو تهجم غريب. فكيف يمكن الاستخفاف بحقيقة أن روسيا تجلس في الحدود الشمالية لإسرائيل، ونحن نحتاج إلى تعاونها كي نضرب إيران التي تشكل خطرا وجوديا؟.
القناة المفتوحة مع موسكو هي التي أتاحت خطوة الوساطة بين روسيا وأوكرانيا. ليس سهلا على الدولة أن تناور بين مصالح مختلفة وبين تفضيلات أخلاقية تكون أحيانا متضاربة.
الاختبار هو دوما في النتيجة: هل أحسنت النتيجة للكيان السياسي أم لا. وفي نظرة إلى الوراء أيضا لا تتضح الأمور دوما.
إن الواجب الأخلاقي الأعلى للأمة هو النجاة في داخل الغابة الدولية التي تحيطها. وبخلاف الفرد، ليس للأمة حق أخلاقي في الانتحار. لا توجد أمة يحق لها أن تراهن على مجرد وجودها.
وعليه فإن التاريخ اليهودي الذي كتبه الناجون من الامبراطورية الرومانية يذكر إيجابا الحاخام يوحنان بن زكاي الذي فر من الحرب ضد الرومان وطلب مساعدة يفنيه وحكمائها.
هل قراره كان تجسيدا للأخلاق؟ ليس مؤكداً، ولكنه أنقذ الشعب اليهودي من الفناء.
لقد كانت المساهمة الأكبر لميكافيلي هي الفهم بأنه يجب ألا نتوقع من الدولة أن تتصرف في الساحة الدولية مثلما يجدر بقس أن يتصرف تجاه رعاياه. فالناس تعمل في أطر إنسانية مختلفة وفقا لقواعد تتناسب وذاك الإطار.  في العائلة نحن نتوقع من أعضاء العائلة أن يظهروا إيثارا تاما وأن يحرصوا الواحد على الآخر.  
في المستوى الدولي، مصلحة الدولة هي التي ترشد السلوك المرغوب فيه. أما رأي حماة الأخلاق على أنواعهم فهو اعتبار هامشي.