في الوقت الذي تحاول فيه إسرائيل التوفيق بين رعب روسيا وقرب أميركا وأوروبا وكراهية الأجانب المتأصلة فيها فإن هناك خطرا جديدا يهددها، الذي يمكن أن يتبين أنه أمل.
من السابق لأوانه التقدير ما هو العالم الذي سيظهر لنا في نهاية الحرب، لكن من المؤكد أن ما سيكون لن يكون ما كان.
لم يتجند الغرب في أي يوم بهذه السرعة ضد دولة عظمى دون أن يرسل حتى ولا جنديا واحدا.
المقاطعة الكبيرة للشركات الضخمة الرأسمالية الروسية هي أمر تأسيسي يمكن أن يغير قواعد اللعب.
لم تحدث هذه المقاطعة في أي يوم من قبل، بالتأكيد ليس بهذه السرعة وهذا الحجم. «غير مسبوق» هو وصف قليل لذلك.
تحولت روسيا في بضعة أيام إلى هدف الثقافة الجديدة وهي ثقافة الإلغاء. ما بدا فقط قبل خمس سنوات كسلاح ضد التحرش الجنسي الذي أنجحته حركة «مي تو»، ترفع إلى صف أعلى وبسرعة لا تصدق تحول إلى سلاح إبادة جماعية ضد دولة عظمى.
روسيا كانت تستحق العقاب، بالضبط مثل مجرمي التحرش الجنسي قبل ذلك، حتى لو كان الإلغاء جارفا في الحالتين.
حياة مهنية وحياة كاملة محيت بسبب حادثة جنسية مرفوضة وأحيانا تتعلق باللفظ فقط، إلى هذا القدر كانت ثقافة الإلغاء في العالم وفي إسرائيل. ولكن في الوقت الذي فيه النقاش حول هذه الظاهرة ودرجة شرعيتها ما زال جاريا وضحاياها ينزفون في الشوارع، معظمهم يستحقون ذلك والقلة لم يكن هذا بصورة متوازنة مع أفعالهم، تم استنساخ هذه الظاهرة بسرعة الضوء إلى الساحة السياسية الدولية.
ما كان جيدا ضد جيفري افستاين وهارفي فينستاين أصبح جيدا أيضا ضد روسيا. وحكم العدوان العسكري هو مثل حكم الاعتداء الجنسي. هذه بشرى مشجعة.
التحفظ هو مطلق، الإلغاء شامل، بالضبط مثلما في «مي تو». الحكومات وعلى الفور بعدها الشركات الضخمة العالمية في حفل مقاطعة جارفة، الذي ليس من الواضح كيف سينتهي وهل روسيا يمكنها الصمود أمامه. بالضبط مثلما في «مي تو» أيضا هنا التجند مثير حتى لو كان الإلغاء مبالغا فيه.
قائد أوركسترا روسي تمت إقالته في الفرقة الفلهرمونية فقط بسبب مواقفه السياسية، أيضا شايسوفسكي ودوستوفسكي مستهدفان.
إلى جانب الرفض لا يمكن حتى تجاهل الأخلاق المزدوجة. لماذا فقط روسيا؟ لكن لا يوجد أي تعاطف معها، وفلاديمير بوتين هو الملام عما حدث.
السؤال هو هل الشركات متعددة الجنسية ستتوقف في روسيا. إلى المقاطعة هي وصلت من خلال رؤية تقول إنه يجب عليها فعل شيء ما ضد عدوان فظ جدا في قلب أوروبا.
هي تدفع ثمنا اقتصاديا فوريا عن تجندها لخدمة ما يظهر كأمر ضميري، وهي مستعدة لذلك. استعدادها لدفع الثمن وتجندها لخدمة فكرة لها بعد أخلاقي وهو وسام شرف لها. ربما هذا سيحثها على عدم التوقف. في نهاية الاحتلال الروسي ستضطر هذه الشركات إلى أن تسأل نفسها: ماذا بعد؟ هل سنواصل المتاجرة مع دولة أخرى التي احتلالها هو الأطول ولا يقل إغضابا عن الاحتلال الروسي؟.
تم الآن غرس بذرة لشيء آخر في هذه الشركات، تداخل ليس فقط مصلحي واقتصادي، ومبادئ لن تتمكن هذه الشركات من استمرار تجاهلها. نجاح الغاء روسيا، اذا حدث، يمكن أن يحثها. وفي نهاية المطاف ما هو الاسمى من اجتثاث احتلال عدواني غير قانوني وغير اخلاقي دون وجود جنود مشاركين على الارض؟. بعد ذلك سيجتمع اعضاء مجالس الادارة والجمعيات العمومية والحكومات وسيقولون ما عندهم. الثقافة الجديدة تم استيعابها. وما بقي فقط هو السؤال: هل يوجد هناك دولة احتلال غير أخلاقية اخرى تتجاهل القانون الدولي وتستخف بالمجتمع الدولي، وحتى أنها تنتمي للعائلة الاكثر تنورا وتطورا في العالم؟. عندها سيسألون في مجلس المدراء وفي الحكومات: هل ما كان محقا ونجح بخصوص عدوانية الرجال، وربما ايضا سينجح ضد عدوانية دولة عظمى، يمكن ايضا أن ينجح ضد دولة اخرى تستحق هذا الالغاء، طالما أنها تواصل سياسة الاحتلال الوحشي، وضحاياها يئنون لعشرات السنين تحت حذائها الحديدي؟. فجأة يوجد أمل.
عن «هآرتس»
