ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» أول من أمس أن وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» أرسلت في عملية سرية أسلحة «سوفييتية» بينها أنظمة دفاع جوي من طراز «SA8» إلى أوكرانيا، وهذه الخطوة تعتبر تصعيداً كبيراً في الموقف الأميركي الذي كان يكرر الحديث عن إرسال أسلحة دفاعية.
والأسلحة الروسية القديمة التي قيل إن الولايات المتحدة قد استولت عليها في عمليات سرية في الماضي والتي تقرر نقلها إلى الجيش الأوكراني هي أسلحة هجومية وليست دفاعية كالتي نقلت للأوكران مثل صواريخ «ستينغر» المضادة للطائرات و»جافلين» المضادة للدروع وهي صواريخ فردية تحمل على الكتف.
وهذا على ما يبدو يعكس تقديراً أميركياً مخالفاً لما تعلنه الأوساط السياسية والعسكرية في واشنطن بأن القوات الروسية متعثرة وتواجه مقاومة شرسة أكبر بكثير من المتوقع.
ويبدو أن الإدارة الأميركية ترى أن الوقت أصبح محدوداً للغاية أمام القوات الأوكرانية وخاصة في المناطق الاستراتيجية مثل ماريوبول وأوديسا على بحر آزوف والبحر الأسود تمهيداً لإطباق الحصار على كييف.
من الواضح أن المحاولات الأميركية المستميتة لإطالة أمد الحرب وتعزيز صمود القوات الأوكرانية تترافق مع خسائر غربية وأميركية متلاحقة في المجالات الاقتصادية وفي غيرها. فحتى الآن لم تنجح العقوبات الأميركية والأوروبية والغربية والحليفة في التأثير على موقف روسيا وفي ثنيها عن مواصلة حربها على القوات والبنية العسكرية الأوكرانية حتى تستجيب السلطات هناك للمطالب الروسية، وقد اتضح أن العقوبات المعلنة لم يجرِ الالتزام بها حتى من قبل أميركا وبريطانيا إذ لا يزال النفط الروسي يصدر إلى هاتين الدولتين.
ولا تزال أوروبا ترفض حظر استيراد النفط والغاز من روسيا وتتصدر الموقف الأوروبي الرافض ألمانيا.
وقد عكس اجتماع وزراء خارجية ودفاع الاتحاد الأوروبي، أول من أمس، الذي بحث الحرب في أوكرانيا وكان يتوقع منه أن يقرر بشأن حظر استيراد النفط والغاز من روسيا، وجود خلافات واسعة داخل دول الاتحاد وبينها وبين الولايات المتحدة بهذا الشأن.
بل ذهب الاتحاد الأوروبي نحو خطوة مستقلة أخرى بإنشاء قوة تدخل سريع أوروبية قوامها 5000 فرد، وزيادة الإنفاق العسكري الأوروبي.
وحتى الرئيس الأوكراني زيلينسكي ضاق ذرعاً بالغرب وأعلن أمس عن استعداده للموافقة على عدم الانضمام لحلف «الناتو»، وأيضاً بحث وضع القرم وإقليم الدونباس بعد وقف إطلاق النار.
ويعيش العالم تحت وطأة ارتفاع الأسعار الذي سيتفاقم مع الوقت وهو قد بدأ بالتأثير على موقف الشارع الأميركي الذي يؤيد بصورة جارفة أوكرانيا ولكنه بدأ يضج بارتفاع الأسعار، وبدأت أوساط مختلفة أميركية بما فيها أعضاء من الكونغرس بتوجيه انتقادات للإدارة الأميركية على توفير مبالغ طائلة لدعم أوكرانيا (12 مليار دولار) في حين لا توفر مبالغ لمساعدة المواطنين في مواجهة الغلاء.
ولم تنجح أميركا في دفع دول أوبك لزيادة إنتاجها للتعويض عن النفط الروسي.
حتى الدول العربية التي هي في عداد الحلفاء للولايات المتحدة مثل السعودية والإمارات العربية رفضت الاستجابة للمطالب الأميركية وأكدت أنها ملتزمة باتفاق «أوبك +» بخصوص سقف الإنتاج.
وقد خسرت واشنطن حلفاءها في هذه المرحلة بسبب موقف الإدارة من الحوثيين في اليمن حيث رفعتهم من «قائمة الإرهاب»، وهي مستعدة للعودة للاتفاق النووي مع إيران ورفع الحرس الثوري الإيراني من «قائمة الإرهاب» كذلك.
وهذا يغضب الحلفاء العرب الذين ساءت علاقاتهم بإدارة جو بايدن أيضاً بسبب موقفها منهم فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان، كما أن إسرائيل وتركيا الحليفتين لواشنطن لا تلتزمان بالعقوبات ولهما مصالحهما الخاصة مع روسيا.
روسيا تحسبت للعقوبات قبل الحرب بفترة طويلة حيث بدأت بزيادة التصدير نحو الصين والهند، وقد مدت خط الغاز للصين عبر سيبيريا وهي بصدد مد خط آخر ضمن الاتفاق الصيني - الروسي الذي أعلن عنه الشهر الفائت قبيل الحرب والذي يمتد لثلاثين عاماً قادماً.
كما أن التصدير للهند تضاعف 4 مرات خلال هذا الشهر ويجري التبادل بالعملات المحلية الروبية والروبل وليس الدولار.
وهذه أيضاً ضربة للاقتصاد الأميركي. وقد أعلنت روسيا أول من أمس عن خطط للتحول من الغرب للشرق.
وهذا ربما من باب ممارسة الضغوط ويحتاج لوقت طويل ولكنه يمثل استراتيجية لخلق بدائل في حال قامت أوروبا بوقف استيراد النفط والغاز من روسيا.
الخبراء يقولون إنه حتى لو قررت أوروبا منذ الآن إيجاد بدائل للنفط والغاز الروسيين فهي بحاجة لعدة سنوات قبل أن تستغني تماماً عن الاستيراد من روسيا هذا إذا استطاعت توفير الكميات من مصادر بديلة وهذا مشكوك فيه كثيراً.
والروس يقولون إنه لو تم حظر النفط الروسي في أوروبا سترتفع أسعار النفط لمعدلات تصل إلى 300 - 500 دولار للبرميل.
مع العلم أن أميركا تسرع في الاتفاق مع إيران من أجل استغلال الأخيرة ضد روسيا بضخ كميات كبيرة من النفط والغاز للسوق.
يبدو أن سعي واشنطن لإغراق روسيا في مستنقع حرب استنزاف طويلة الأمد سيأتي بنتائج عكسية على العالم الغربي وعلى أوكرانيا أولاً وربما سيكون بايدن والديمقراطيون ضحية هذه السياسة ويدفعون الثمن في الانتخابات الأميركية القادمة.
وهناك مؤشرات على تراجع شعبية الحزب الديمقراطي الذي قد يفقد الأغلبية في الكونغرس في الانتخابات النصفية في تشرين الثاني هذا العام، وسيكون لارتفاع الأسعار الناجم عن العقوبات والحرب تأثير كبير على الرأي العام.