العرب والفلسطينيون يعرفون أن الأصول للجيهة الشعبية لتحرير فلسطين كانت مع حركة القوميين العرب التي نشأت في اواسط القرن العشرين، لاسيما وأن الحكيم جورج حبش كان المؤسس للإطارين، ومثلت حركة القوميين العرب فعل مقاومة للمخطط الصهيوني ضمن آمال عريضة، وبالدعوة للوحدة العربية كحل في مواجهة المستعمرعامة، وفي مواجهة الأنظمة المتعاونة معه، وضد الصهيوني وخطره الدائم على قلب الامة في فلسطين، وهي كانت بحق فكرة ثورية وتطهرية جاءت في اوانها وإن ارتبطت بمسيرة الوعي القومي العالمي ثم في منطقتنا منذ اواخر العهد العثماني.
بيروت كانت للكثير من الشباب العربي بوابة التفكير الحر وتطوير الشخصية كما كانت الجامعات في الدول العربية عامة (على قلتها آنذاك) الخارجة للتو من تحت براثن الاستعمار البريطاني والفرنسي والايطالي والاسباني وهي الاستعماريات التي نكبت بها الامة لأزمان متفاوتة، وفي أحضان بيروت نشأت حركة القوميين العرب.
اللقاء العربي (من مختلف الجنسيات العربية لاحقًا) في اسطنبول جاء منذ أواخر القرن 19 وبدايات القرن20 كرد على سياسات التتريك، واستجابة للمد القومي في أوربا، ثم مع بزوغ وتعملق الخطر الصهيوني-الغربي، وظهور العديد من دعاة القوية الكبار من المفكرين والمثقفين، والرغبة لدى الشباب العربي بمقاومة الاستعمار الغربي العنصري الاستغلالي في كل البلدان والذي ارتبط كله معا، وكان لفلسطين عامل شاحذ، وحافز قبل أن تتمكن “الوطنيات” ضمن القومية الجامعة.
ومن هؤلاء يذكر التاريخ الرواد القوميين امثال بطرس البستاني وناصيف اليازجي، ونجيب عازوري وكتابه الشهير يقظة العرب عام 1904، والدكتور فائق شاكر.
كما يأتي اسم المفكر والتربوي السوري ساطع الحصري (1879-1968) في مقدمة رواد الفكر القومي العربي وكتابه: العروبة بين دعاتها ومعارضيها. ويبرزأيضا نديم البيطار ومن كتبه الهامة المثقفون والثورة، ومن التجزئة الى الوحدة، وقضية العرب الفلسطينية.
وأيضًا يبرز العربي الفلسطيني محمد عزّة دروزة (1887-1984) وهو من بين المؤمنين بالعروبة والداعين لتحقيق الوحدة العربية ومن كتبه الهامة الكثيرة: القرآن واليهود: أحوالهم وأخلاقهم ومواقفهم ومصيرهم، مختصر تاريخ العرب والإسلام، حول الحركة العربية الحديثة: تاريخ ومذكرات وتعليقات، وكتاب مأساة فلسطين : عرض موجز لقضية فلسطين وتاريخها وتطورها وحاضر فلسطين ومستقبلها، وكتاب “الوحدة العربية” الصادر عام 1946.
كما لايغيب عن التفكير قسطنطين زريق (1909-2000م).. الذي تحوّل إلى داعية للتحديث والعقلانية وهو من أبرز من أثروا في حركة القوميين العرب حتى كان بمثابة المرشد الروحي للحركة، ومن أبرز كتبه: معنى النكبة، وفي الوعي القومي،ونحن والمستقبل.
في مقابل خط القوميين العرب الذي تبلور في خمسينيات القرن العشرين كان خط حزب البعث العربي الاشتراكي يتبلور بشكل موازٍ ومن أبرز مفكريه ومؤسسيه كان ميشيل عفلق (أبومحمد-لاحقًا) (1910-1989م) الذي بدأ مشواره في مطلع الثلاثينيات، عندما غادر دمشق متجهاً إلى باريس لمواصلة دراسته الجامعية، وهناك تأثر بدايةً بالتيار الشيوعي الفرنسي، قبل أن يزداد تأثره بالحركات القومية، وبالتحديد بحركة “الانبعاث الإيطالي” وأهدافها (حرية، وحدة، استقلال)، وليصبح مدار فكره وكتاباته لاحقاً حول هذه الأهداف. ومن أبرز كتبه: في سبيل البعث، ذكرى الرسول العربي، نقطة البداية، معركة المصير الواحد، البعث والوحدة.
كانت النواة للعمل النضالي الفلسطيني الجديد بعد النكبة عام 1948 وهي الكارثة أو”الهولوكوست” التي حركت العرب عامة ومنهم الفلسطينيين يبحثون عن الخلاص مجتمعين ضمن أطر قومية أو عالمية (شيوعية أواسلاموية) أو وطنية استقلالية (حركة فتح نموذجًا) فكان لحركة القوميين العرب دورًا مميزًا يحترم ضمن فترة هامة وصعبة في التاريخ العربي.، بدءا من جمعية العروة الوثقى في الجامعة الامريكية في لبنان وصولًا لتشكيل حركة القوميين العرب
وكان المؤتمر القومي الأول عام 1956م وعملت اللجنة القيادية المنبثقة كقيادة قومية جماعية لـ”الحركة”، وتألفت من أحد عشر عضواً هم: جورج حبش (فلسطيني) ووديع حداد (فلسطيني) وصالح شبل (فلسطيني) وحامد الجبوري (عراقي) وهاني الهندي (سوري) وأحمد الخطيب (كويتي) والحكم دروزة (فلسطيني) ومصطفى بيضون (لبناني) وثابت المهايني (سوري) ومحسن إبراهيم (لبناني) وعمر فاضل (ابن مغترب عربي في الكاميرون).
ومرت حركة القوميين العرب بالأطوارالفكرية الثلاثة وهي الأطوار القومية التقليدية، والاشتراكية العربية، والماركسية.
حصل التشابك مع الحركة الناصرية لاحقًا، الى أن كانت الهزيمة او النكسة عام 1967م حيث وكما يقول غازي الصوراني في بحثه عن حركة القومين العرب:”أربكت الطبيعة الفاقعة للنكسة حركة القوميين العرب، ولم يتم تجاوز هذا الارتباك إلا في الاجتماع القيادي الموسع الذي عقدته اللجنة التنفيذية القومية للحركة (أواخر تموز 1967) وأصدرت فيه أول تقرير رسمي يتضمن تحليلاً طبقياً للنكسة، حمل عنوان “الثورة العربية أمام معركة المصير” وعرفت اشكالياته باسم “موضوعات/5/حزيران”.
لكن النتيجة الحقيقية أن التنظيم بدأ ينحل ويتلاشى، حيث تشير صحيفة الهدف التابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين قائلة: لأنه (في ظل هذه الحالة الانقسامية، عقدت فروع الحركة مؤتمرات إقليمية أو قطرية أدت إلى مزيد من المشاهد الانقسامية ومن ثم تراجع وتفكك حركة القوميين وتصفيتها شكلاً ومحتوى واسماً) وذلك منذ العام 1968م.
في جميع الأحوال فإن الحياة الفكرية والسياسية والقيمية والتنظيمية المنضبطة والثرية للحركة وروادها تستحق الاحترام والاطلاع والاستفادة منها بنظرة الى الخلف للنقد والتطوير، لاسيما ومنذ أيام كان رحيل أحد الكبار، ومن مؤسسي حركة القوميين العرب وهو المفكر العربي الكويتي د.أحمد الخطيب (1927-2022م). وهو فيما تلى انتمائه لحركة القوميين العرب أصبح سياسيًا قوميًا عربيًا وكان نائب سابق في مجلس الأمة الكويتي ونائب رئيس المجلس التأسيسي الكويتي، وأحد كتبة الدستور الكويتي، وأول كويتي حاصل على شهادة الطب البشري في تاريخ الكويت الحديث، وقد شغل رئاسة لجنة أطباء أمير دولة الكويت الراحل الشيخ عبد الله السالم الصباح. وهو في الإطار الثقافي أسس وتسلم صحيفة الطليعة المعارضة في الكويت والتي يذكر في إطارها الثلاثة الكبارالدكتور أحمد الخطيب.. وسامي المنيس.. وعبدالله النيباري.