لم تكن النتائج الرسمية للمرحلة الثانية من الانتخابات البلدية قد أعلنت بعد، عندما بدأ إطلاق النار في مختلف المدن الرئيسة، إطلاق النار كمظهر من مظاهر الاحتفال بالفوز، أو إعلانه بطريقة تتجاوز فكرة البيان ودعوة الخصوم الذين نجحوا بشكل جزئي، وحصلوا على مقاعد أقل.
في مستوى آخر، في مثل حالتنا، يبدو الفوز في أي "مسابقة" فرصة لإطلاق النار.
المناسبة تصبح أمرا جانبيا بمجرد حدوثها، تصبح سلما لتبرير إطلاق النار، ويصبح الحديث عن "العرس الديمقراطي"، رغم ابتذال التشبيه، امتدادا لظاهرة إطلاق النار في الأعراس.
إطلاق النار في الهواء هو الحدث، الاستعراض غير الضروري أمام الأشخاص غير المناسبين وفي الأمكنة غير المناسبة، وللأسباب الخاطئة يتحول إلى مركز الحدث ويستولي عليه.
البنادق المركونة في فجوات الجدران والصناديق الثقيلة أو المتوارية في السناسل، الملفوفة جيدا والمحمية من الرطوبة..تصعد من ملاذاتها وتتنفس في الهواء وتفسد فكرة المنافسة والشراكة وتعزيز التعددية في الطريق الطويل نحو المجتمع الديمقراطي وثقافة الحرية.
اللافت فعلا هو تواجد بعض القادة وبعض ممثلي الفصائل الفائزة في وسط هذا الزوبعة النارية، التي نكاد نتفق جميعا على خطورتها على أكثر من مستوى، من السلامة الشخصية للمحتفلين إلى إفساد العملية الانتخابية نفسها والتشكيك في الخطاب الذي يبثه القائد الفائز على الفضائية الرسمية، رغم صعوبة الاستماع إلى الخطاب بسبب زوبعة الرصاص المحيطة به، ما دفع المذيع في الاستوديو إلى إحالة المشكلة إلى خلل في الصوت من المصدر، لم يتم إبداء أية إشارة تستهدف مطلقي الرصاص أو الدعوة إلى وقفها، التي تسببت ببعض الإصابات، كان الأمر أقرب إلى مفارقة بين الشعار المرفوع حول تساوي الحقوق والاحتفال، بين بلاغة الخطاب المتسامح وعنف المحتفلين ودلالاته، بين البرنامج المطروح، بلاغيا، وبين الواقع المعاش والذي لم يتغير، وبدا الخلل في الخطاب وليس في مصدر الصوت.
أصبح المشهد فجأة نوعا من إطلاق ثقافة الإكراه والإمعان في التنمر، على أرضية برنامج يقدم وعودا بخدمات معيشية أفضل، وانفتاحا أوسع على الجميع، وأمانا أكثر، عبر استكمال الإنجازات المتحققة وتطويرها، ودعم الثقافة والفنون وتوسيع المساحات الخضراء.