الطريق إلى المزيد من الإنجازات...

طلال عوكل
حجم الخط

إذا كان من غير الممكن حسم الصراع الفلسطيني والعربي الإسرائيلي بالضربة القاضية، فإن الفلسطينيين قد أخذوا يربحون النقطة تلو الأخرى، ويسجلون في مرمى الاحتلال المزيد من الأهداف.

الإسرائيلي الذي أصابه عمى العنصرية، قد لا ينتبه إلى ما يجري من حوله، ولا شفاء له من هذا النوع من الأمراض الخبيثة، لا يزال، يمضي نحو حتفه، الأمر الذي حذرت منه تسفي ليفني، وآخرون ممن لا تحظى تحذيراتهم بأي اهتمام من قبل السياسة السائدة.

مجانين هؤلاء الذين يطالبون بمنع المسيحيين من إقامة احتفالاتهم وطقوسهم في أعياد الميلاد المجيد، ويحرضون عليهم كما لو أنهم الإرهاب الذي يتداعى العالم لمحاربته، يحصل ذلك علنياً دون أن يصدر تعليق أو نقد، أو استنكار من قبل الطغمة الحاكمة في إسرائيل، التي يتبارى أعضاؤها في إظهار المزيد من التطرف والمزيد من العنصرية مقرونة بممارسات إرهابية يومية.

الأمم المتحدة لا تتوقف عن اتخاذ المزيد من القرارات لصالح الفلسطينيين والقضية الفلسطينية وآخرها الإقرار بحق الفلسطينيين في السيادة على ثرواتهم، وقبلها تصوت مئة وسبعون دولة على حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، فيما لا تتوقف الاتهامات لإسرائيل بمخالفة القوانين والقرارات الدولية الخاصة بالاستيطان والأراضي المحتلة العام 1967.

هذا يعني أن البيئة الدولية، تتجه نحو أن تكون أكثر استعداداً للتعاطي الإيجابي مع القضية الفلسطينية، وأي مبادرات تتصل بالحقوق الفلسطينية. ثمة جذور مهمة للتحولات الجارية على المستوى الدولي، والتي تشهد على تزايد التضامن مع الشعب الفلسطيني، والابتعاد المتدرّج عن إسرائيل والتي بات حلفاؤها يخجلون من الدفاع عن سياساتها. الإدارة الأميركية التي تواصل التعبير عن انزعاجها من السياسة الإسرائيلية رفضت توصية من مجموعة من أعضاء الكونغرس الجمهوريين لمعاقبة منظمة التحرير الفلسطينية.

الإدارة الأميركية التي تعرف أن مثل هذه التوصية جاءت بسبب تحريض إسرائيلي، وهو استمرار للتدخل المباشر وغير المباشر في السياسة الداخلية الأميركية، هذه الإدارة عادت وأكدت أن المنظمة تمثل الشعب الفلسطيني، وأنها الشريك في عملية السلام، وأن الإدارة ترى في التوصية الجمهورية إفساداً لعملية السلام. ومرة أخرى قد لا تتحول الولايات المتحدة عن سياساتها واستراتيجياتها التي دأبت على دعم وحماية وضمان تفوق إسرائيل، لكنها تقدم المزيد من الإشارات إلى أنها غير راضية عن السياسة الإسرائيلية والمسألة هنا ليست شخصية أو أخلاقية وإنما تدلّ على تضارب المصالح هذا التضارب الذي قد يصل يوماً إلى مستويات لا تخدم إسرائيل. أما الخطوة الأهم على الصعيد الدولي، والتي لا يجوز لفلسطيني واحد أن يتجاهل أهميتها وأبعادها فتكمن في الإنجاز الذي حققه الرئيس محمود عباس، من خلال تصويت البرلمان اليوناني على الاعتراف بدولة فلسطين.

على خلافات البرلمانات الأوروبية، التي صوتت بأغلبية على الاعتراف بفلسطين، فإن البرلمان اليوناني قد صوت بالإجماع على التوصية ما يعني أن المجتمع اليوناني كله يحتضن القضية الفلسطينية، ويدعم الحقوق الفلسطينية، وهو موقف تاريخي ممتد في العلاقات بين الشعبين.

الحكومة اليونانية ترجمت هذا التوجه على طريقتها الخاصة إذ قررت أن تعنون مراسلاتها ووثائقها تحت عنوان دولة فلسطين وليس السلطة الوطنية الفلسطينية، وهو اعتراف عملي بدولة فلسطين ربما يتجاوز الاعترافات الشكلية. نعلم أن اليونان تعاني منذ بعض الوقت من أزمة اقتصادية خانقة وأنها تمر بظروف صعبة، لا تمكنها من أن تتخذ قرارات صريحة وواضحة تجاه الاعتراف الكامل بدولة فلسطين، لأنها مضطرة لأن تظل ضمن المجرى العام للسياسات الأوروبية، ولكن تصويت البرلمان له مغزى عميق.

المسألة هنا تكمن في أن المجتمعات الأوروبية، قد أخذت تفهم على نحو أكثر موضوعية طبيعة الصراع الجاري على أرض فلسطين التاريخية وفي هذه المنطقة عموماً وان هذه المجتمعات تظهر استعداداً متزايداً للتعبير عن ذلك من خلال قرارات سياسية لصالح الفلسطينيين وعقابية تجاه إسرائيل. وبصراحة هذه التحولات في الوعي المجتمعي في دول ديمقراطية كالدول الأوروبية، أهم بكثير من أن تصدر مواقف سياسية فوقية من هذه الحكومة أو تلك، ذلك أن الأحزاب، والحكومات لا تستطيع أن تتجاهل اتجاهات الرأي العام في بلدانها وهي ستكون مضطرة إن لم يكن اليوم فغداً إلى الاستجابة لمواقف ومطالبات وحركة مجتمعاتها.

هي إنجازات متتابعة، لا يزال البعض يتجاهل أهميتها بل وأحياناً يجري تسخيفها، ما يدل على سذاجة سياسية وإمعان في التمسك برؤى وسياسات إن لم تكن فاشلة فإنها لم تحقق شيئاً. إن القراءة الموضوعية لما يجري على ساحة المجتمع الدولي تستدعي التبصر من قبل الفلسطينيين بشأن أشكال ووسائل العمل السياسي والنضالي التي ينبغي اعتمادها في مواجهة احتلال هذه هي طبيعته، احتلال يبحث عن ذرائع لاستخدام ترسانته من الأسلحة التدميرية، ما يستدعي تجنب تقديم مثل هذه الذرائع. إسرائيل التي تعاني من عزلة دولية متزايدة، ومن أزمة حقيقية وارتباك واضح، تسببه لها الموجة الانتفاضية، تبحث عن ذرائع ومخارج، أفضلها بالنسبة لها، من يتطوع بمنحها الفرصة لشن حرب أو عدوان يحول الأنظار عما يجري على أرض الضفة والقدس والداخل الفلسطيني