فشلت «قمة سديه بوكر» في النقب، تهاوت مثل هيكل كرتوني عبثت بها رياح قوية، إنجاز لابيد المبني على إرث نتنياهو تبدد تماما، رغم الإشارات التي تصر عنجهية دولة الاحتلال على زجها في جنبات الأحداث الشبيهة، مثل اسم الطائرة التي حملت الوفدين الإسرائيلي والأميركي للإمارات العربية عشية توقيع اتفاقيات التطبيع، التي أطلق عليها كوشنر الصهر وفريدمان الحاخام اسم «اتفاقيات أبراهام»، في ابتذال وسم ثقافة فريق «ترامب» مع التاريخ.
في حينه كتب على مقدمة الطائرة كلمة «سلام»، في ابتذال آخر حول مفهوم السلام، بلغات ثلاث، العربية والعبرية والإنجليزية، تحت كلمة السلام كتب «كريات غات» وهو اسم مستوطنة إسرائيلية أقيمت بعد تدمير القرية العربية «عراق المنشية» جنوب فلسطين وتهجير أهلها، وتمددت على أراضي بلدة «الفالوجة» المدمرة، وكانتا آخر قريتين جرى تهجيرهما العام 1949، بعد عام من النكبة الفلسطينية.
في الفالوجة حوصرت كتيبة من الجيش المصري كان من بين ضباطها الزعيم المصري جمال عبد الناصر، وكان أهل عراق المنشية يمدون الجنود المصريين بالأغذية ويتقاسمون معهم الخبز، هناك نشأت فكرة ثورة يوليو. كل هذه الحمولات كانت مقصودة في الطريق إلى أبو ظبي، كما لو أنها رسالة لعبد الناصر.
«سدي بوكر» الكيبوتس الذي اختاره لابيد لعقد أول «قمة» عربية إسرائيلية أميركية، ارتبط اسمه بمؤسس «الدولة» دافيد بن غوريون، وبحلمه في الاستيطان الكثيف في مناطق النقب، هناك اعتزل للمرة الأولى في مطلع خمسينيات القرن الماضي، قبل أن يعود للعمل السياسي وقيادة «الدولة» حتى العام 1963 حيث تقاعد، وهناك دفن إلى جانب زوجته باولا في العام 1973.
عشية «القمة» قامت الشرطة الإسرائيلية بمحاولات تنفيذ أوامر مصادرة لأراضي الفلسطينيين، تحت حجج كثيرة، في واحدة من أكبر حملات المصادرة بعد النكبة، حيث عبرت الجرافات غير بعيد عن فندق الاجتماع.
لا يمكن عزل اختيار مكان «القمة» عن التاريخ الإسرائيلي للمكان، يحبون في إسرائيل زج رموزهم وفرضها على «الضيوف»، وتقديمها كحقائق انتصارية منجزة، يسعون دائما لتوفير تاريخ خاص بهم في طيات تاريخ المنطقة، دون اعتبار لتاريخ «الضيوف» ولتعزيز فكرة «أنتم هنا لأننا انتصرنا عليكم»، رغم أن أغلبية الضيوف العرب «الإمارات والبحرين» لم يخوضوا حروباً هنا لينتصروا أو ليهزموا، وليس واضحا إذا كان من بينهم من يقرأ مثل هذه الرسائل.
فشلت «القمة» التي اتكأ عليها لابيد لتكريس قيادة إسرائيل الإقليمية بعد أميركا، ولتقديمه كـ»مبدع سياسي» بعد نتنياهو.
الشاب الذي وصل إلى تل أبيب من يعبد شمال الضفة، ضياء حمارشة، بدد كل شيء تقريبا، خلال دقائق قليلة وبوساطة 12 طلقة فقط.