لم يشهد العام 2015 نتائج إيجابية تنعكس على تسوية النزاع السوري الذي يقترب من حافة الخمسة أعوام، وسط تداعيات كثيرة خلفتها حرب طاحنة أدت إلى مقتل ما يزيد على 220 ألف سوري ولجوء حوالى ثلث السكان إلى خارج البلاد.
العام 2016 لن يكون أفضل حالاً من العام الذي سبقه، لاعتبارات كثيرة يمكن سوقها في هذا المقام، لكن يبدو أن العام الجديد مقبل على مساومات سياسية من شأنها أن تمهد لتسوية الأزمة السورية ربما في العام 2017 أو الذي بعده.
أسباب عدم إنضاج توافق سياسي يقود إلى تسوية النزاع السوري خلال العام 2016، تعود أولاً للموقف المتباين والواسع بين الدول الكبرى المنخرطة في النزاع السوري، التي لم تتفق بعد على موضوع مصير الرئيس السوري بشار الأسد.
أما السبب الثاني فله علاقة بتحديد جهة المعارضة والتفريق بين تلك المعتدلة والأخرى المتطرفة، إذ استفحل الجدال بين القوى الكبرى حول المعارضة المعتدلة التي يمكنها أن تشارك في محادثات إلى جانب ممثلين عن الحكومة السورية مطلع العام 2016.
السبب الثالث له علاقة بالجهد الدولي للقضاء على «داعش»، ذلك أن الموقف الأميركي مثلاً لا يريد التعاون مع الحكومة السورية في مواجهة ذلك التنظيم، ولا يريد أيضاً أن يدخل في حلف دولي واسع مع روسيا للقضاء على الإرهاب في سورية.
الأميركان وحلفاؤهم الغربيون يعتقدون أن التواجد العسكري الروسي في سورية جاء لخدمة نظام الرئيس الأسد الذي كان قاب قوسين أو أدنى من السقوط العسكري، بعد أكثر من أربعة أعوام على حرب صعبة استنزفت قواه ولم يكن ممكناً خوضها بالعزيمة المطلوبة.
كل هذه العوامل تقدم مؤشرات على أن الحل السياسي في سورية لم يقترب بعد، خصوصاً إذا أضفنا موقف المعارضة السورية المعتدلة الذي مثله رياض حجاب، حيث يؤكد الرجل أن المعارضة ستمضي إلى المحادثات مع الحكومة السورية على قاعدة ضرورة رحيل الأسد عن المشهد السياسي.
حجاب يقصد بذلك أن المعارضة لن تقبل بقاء الأسد حتى في ظل مرحلة انتقالية أو حكومة وحدة وطنية مؤقتة، وأنها لن تقدم أي تنازل في هذا الموضوع، وهذا الموقف تتبناه دول أخرى مثل تركيا وفرنسا اللتين تؤكدان أهمية مغادرة الأسد للسلطة شرطاً لتسوية الأزمة السورية.
ما سيحدث في العام 2016 هو مواصلة المساعي الدولية لاستكمال المسار السياسي السوري بناءً على مرجعيات مؤتمرات جنيف 1 و2 ومن ثم فيينا 1 و2، ذلك أن الولايات المتحدة حاولت إقصاء هذه المرجعيات والاستفراد بالملف السوري، إلا أنها لم تتمكن من ذلك، وأوفدت جون كيري وزير الخارجية إلى موسكو، حيث التقى قبل أسبوعين تقريباً كلاً من نظيره الروسي سيرجي لافروف والرئيس بوتين، في إطار إيجاد أرضية مشتركة للتنسيق في الأزمة السورية.
على إثر ذلك اللقاء تداعت الأطراف بما فيها الأميركيون والروس لاجتماع مهم في نيويورك، مهد لإصدار قرار من مجلس الأمن الدولي يدعم خريطة طريق تستهدف التأكيد على إطلاق حوار سوري - سوري من المرجح أن يعقد الشهر المقبل برعاية الأمم المتحدة.
أيضاً نص القرار على توفير مناخات إيجابية تشكل قاعدة يمكن البناء عليها، مثل تجميد إطلاق النار بين الفرقاء السوريين، على أن يعتبر مقياساً يمكن البناء عليه، ومن شأنه أن يمهد إلى جانب المحادثات بين الغريمين السوريين لتشكيل حكومة وحدة وطنية ومن ثم إجراء انتخابات.
هذه الخريطة خاضعة لأجندة زمنية مدتها عامان، لكن هذا لا يعني أنها ستكون قابلة للتطبيق، انطلاقاً من نكوص مختلف الأطراف الدولية والسورية عن مواقفها في مناسبات سابقة، ما جعل النزاع السوري مستمراً وعلى أشده إلى هذه اللحظة.
نعم سيكون العام 2016 هو عام المساومات، كما سيظل عام استمرار النزاع العسكري في سورية، ومن غير المستبعد أن تراهن الأطراف الدولية على إمكانية تحقيق اختراقات جيدة على هذا الصعيد يمكنها أن تسهم في إنضاج المشهد السياسي.
هناك عاملان قد يسهمان في إنضاج المشهد السياسي في سورية، الأول أن الدول الأوروبية تدرك الخطورة التي يفرضها تنظيم «داعش» على الأمن والسلم العالميين، إلى جانب تكاليف الحرب السورية الباهظة على الأوروبيين لجهة موضوع استقبال اللاجئين السوريين.
بعض الدول الأوروبية بدأت تراجع مواقفها من الأزمة السورية وتحاول استيعاب بقاء الرئيس الأسد في السلطة خلال المرحلة الانتقالية، حتى أن هذا الموقف يساور المستوى العسكري في وزارة الدفاع الأميركية الذي يختلف مع المستوى السياسي هناك حول طبيعة الأزمة السورية من حيث أهمية التنسيق مع القوات الحكومية السورية في محاربة «داعش».
أوباما وكيري ومختلف أركان الإدارة الأميركية متمسكون بموقفهم من أهمية رحيل الأسد عن السلطة، غير أن مسؤولين في «البنتاغون» يعتبرون أن بقاء الأسد مفيد في المرحلة الانتقالية للمصلحة الاستراتيجية الأميركية، وأنه ينبغي هضم هذا الموضوع.
مع ذلك فإن المراهنة على وجود تحول أميركي وغربي في التعامل مع الأزمة السورية أمر متروك لمقبل الأيام، خصوصاً وأن سورية اليوم ليست تلك التي بالأمس في ظل الوجود العسكري والدعم الإسنادي الذي تقدمه روسيا للحكومة السورية.
لقد ظلت وستبقى الأزمة السورية عنواناً لإدارة الحرب بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا تحديداً، بدليل أن كل الاجتماعات الدولية تأتي بالاتفاق بين الطرفين، وليس من المستبعد أن يتفق هؤلاء على مرحلة انتقالية يبقى فيها الأسد إلى حين إجراء الانتخابات ورحيله عن السلطة.
من المرجح أن يركز الجميع على «داعش» باعتباره الأولوية التي تسبق ملف المسار السياسي السوري، خصوصاً وأن كافة الأطراف مع أهمية إنهاء هذا التنظيم، لكنها لم تجد الحاضنة الكبرى التي تجمعها لتوحيد الجهد ضد «داعش».
ومن المرجح أيضاً أن يتواصل لجوء السوريين إلى الدول الغربية في ظل استمرار النزاع ومع الاختلاف الأوروبي حول طرق معالجة هذا الموضوع بشكل تكاملي، لكن ما ينبغي قوله في هذا الإطار هو أن العام الجديد مقبل على حوارات صعبة بين كافة الفرقاء، إنما يبقى القول الفصل في هذا الميدان للاعبين الأميركي والروسي.
-