في الوقت الذي تعدت فيه الديون الخارجية لمصر مبلغ 150 مليار دولار، وتسعى فيه القاهرة إلى الاقتراض مجددا من صندوق النقد الدولي، أعلنت وكالة تصنيف دولية أن البلد العربي البالغ عدد سكانه أكثر من 100 مليون نسمة، بصدد اقتراض نحو 73 مليار دولار في 2022.
ووفق وكالة "رويترز"، فقد توقعت وكالة "ستاندرد آند بورز غلوبال" العالمية للتصنيف الائتماني، في تقرير الأربعاء، أن تتخطى مصر تركيا كأكبر مصدر للديون السيادية في المنطقة، بمبيعات للسندات بقيمة 73 مليار دولار بالعام الجاري.
"تخطي تركيا"
ورغم أن المؤسسة العالمية لم تحدد قيمة السندات العالمية التي ستطرحها مصر على المستثمرين الدوليين، وقيمة السندات المحلية، لكنها توقعت أن تصبح مصر الأولى بين الأسواق الناشئة في أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا بإصدار الديون السيادية، متخطية بذلك تركيا.
وأكدت الوكالة أنه بسبب "العجز المالي المرتفع باستمرار" في مصر، فإنه من المقرر أن يرتفع الدين التجاري للبلاد كإحدى الأسواق الناشئة.
وأشار محللون بالوكالة إلى أن مصر من بين الدول التي تمتلك الحصة الأكبر من الديون التي يجب تجديدها هذا العام، موضحين أن الديون قصيرة الأجل تبلغ نسبة 26 بالمئة من إجمالي أرصدة الديون في مصر.
"خطورة الموقف"
وتتمثل خطورة الموقف في أن تلك الديون المحتملة في 2022، التي ستضاف على نحو 150 مليار أخرى، إنما هي لترقيع الديون السابقة، وليست لأجل إقامة مشروعات إنتاجية أو استثمارية، وهو ما أكدته الوكالة الدولية.
وقال تقرير "ستاندرد آند بورز غلوبال"؛ إن "مصر ستتصدر 54 دولة في أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا في تمديد القروض التي تحصل عليها عن طريق سندات تصدرها لدفع قيمة سندات قديمة".
وأشارت إلى أن "هذا المعدل في مصر يبلغ نحو 33.5 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، بفارق كبير عن دول المنطقة، وهو ما يعني أن مصر ستكون أكثر حساسية للتأثر برفع الفائدة عالميا".
"سيل من القروض"
وفي إطار تغطية احتياجاتها من النقد الأجنبي، تقوم مصر طوال عهد رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، إلى جانب العديد من دول العالم بإصدار سندات سيادية كنوع من أنواع الاقتراض، الأمر توسعت فيه القاهرة بصورة لافتة بالأعوام الماضية.
وفي هذا الإطار، أشارت الوكالة الدولية إلى أن مصر اقترضت نحو 63 مليار دولار في 2021، بذات الطريقة وهي إصدار السندات السيادية.
وفي آذار/ مارس الماضي، ولأول مرة في الشرق الأوسط، طرحت مصر سندات دولية مقوّمة بالين الياباني، المعروفة بسندات "الساموراي"، بنحو 500 مليون دولار.
وتنوي مصر أيضا إصدار صكوك إسلامية وسندات خضراء قبل نهاية حزيران/ يونيو المقبل، إلى جانب سندات دولية بحوالي 5 مليارات دولار في السنة المالية المقبلة، (2022- 2023)، بحسب تصريح لنائب وزير المالية المصري أحمد كجوك.
وخلال 23 آذار/ مارس الماضي، أعلنت الحكومة المصرية توجهها إلى صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد هو الثالث في عهد السيسي من الصندوق الذي منح مصر نحو 20 مليار دولار من (2016- 2021)، فيما تشير التوقعات إلى قرض جديد بين 8 و10 مليار دولار.
"وضع قاس"
ومع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية 24 شباط/ فبراير الماضي، بدأت تصدعات الاقتصاد المصري الذي يعتمد على استيراد القمح وسلع استراتيجية أخرى من البلدين، ما أدى إلى تفاقم التضخم وزيادة أسعار جميع السلع.
وفي السياق، ونتيجة لضغوط رفع البنك المركزي الأمريكي (الاحتياطي الفيدرالي) الفائدة على الدولار في آذار/ مارس الماضي، اضطر البنك المركزي المصري لرفع الفائدة على الجنيه 1 بالمئة، وخفض قيمة العملة بنحو 14 بالمئة.
ورغم أن الأرقام الرسمية الصادرة عن البنك المركزي المصري تشير إلى بلوغ الدين الخارجي أكثر من 145 مليار دولار بنهاية 2021، إلا أن مراقبين أكدوا وصول الدين المصري لأكثر من 151 مليار دولار.
وأظهرت بيانات البنك المركزي المصري، الأحد الماضي، أن صافي الأصول الأجنبية المصرية شهد تراجعا حادّا في شباط/ فبراير الماضي، إذ انخفض بمقدار 60 مليار جنيه مصري (3.29 مليارات دولار) إلى سالب 50.3 مليار جنيه.
منظمات ومؤسسات دولية أخرى، كانت قد حذرت من خطورة الوضع المالي في مصر، إذ أشار تقرير منظمة مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "أونكتاد"، آذار/ مارس الماضي، إلى أن مصر عرضة لصدمة مفاجئة بسبب مزيج من ضغوط إعادة التمويل الكبيرة ونسبة خدمة الديون المرتفعة".
"ترقيع ديون سابقة"
وفي قراءته لحديث وكالة التصنيف الدولية عن ديون مصر، قال أستاذ التمويل والاقتصاد بجامعة "إسطنبول صباح الدين زعيم" الدكتور أشرف دوابة: "هذا معناه أن مصر تسير في هذا الاتجاه بصورة واضحة إلى الديون ولا مفر من هذا التوجه".
رئيس الأكاديمية الأوربية للتمويل والاقتصاد الإسلامي، أضاف لـ"عربي21": "عندما تشير الوكالة إلى أن مصر ستصبح أكبر مصدر للديون السيادية في المنطقة، بمبيعات للسندات بقيمة 73 مليار دولار خلال 2022، فتكون ارتضت بهذا عملية الديون كوسيلة من وسائل ترقيع ديونها".
وأوضح أن "الديون في مصر لا تستخدم لتحقيق قيمة مضافة حقيقة أو مشروعات إنتاجية، وواضح تماما أن القاهرة قررت مواصلة الاستدانة لترقيع ديونها السابقة، وببساطة يتلخص الوضع بأن الاستدانة أصبحت هدفا حكوميا للحيلولة، دون التوقف عن سداد فوائد وأقساط الدين".
وعن المقابل الذي يمكن أن تعرضه القاهرة لمشتري السندات الدولية، أكد دوابة، أن "العائد المميز الذي تمنحه مصر من أعلى العوائد العالمية، وأعتقد أن هناك اتجاهات لبيع بعض السندات والرهونات لمؤسسات حكومية، ومن لا يباع يكون وسيلة لضمان هذه الديون".
وتوقع الأكاديمي المصري، أن "يصل الأمر لقناة السويس وغيرها من أصول سيادية بمراحل أخرى"، مضيفا: "لا نستطيع الجزم الآن بهذه التحركات، ولكن الشيء المغري الآن للمستثمر الأجنبي، هو العائد المصري الجذاب الذي لا يمنع لاحقا من تقديم أصول كضمانات لأجل الديون السيادية".
وحول خطورة أن تصبح مصر أكبر مصدر للديون السيادية في المنطقة، قال؛ إن "الخطورة بعد مرحلة معينة ألا تجد ما يمكنها من سداد الديون وفوائدها ما يؤدي للإفلاس كنتيجة محتملة، وإذا استمرت هذه السياسية، شيء طبيعي أن تحدث فقاعة وتحدث انفجارا".
وتابع: "إذا تغيرت الظروف بوجود دول تُعين مصر مثل السعودية التي قدمت 5 مليارات دولار قبل أيام كوديعة بالبنك المركزي، فمن يساعد على سداد أعباء الديون؟ ما بالك إذا لم تجد من يسدد التزاماتها والتوقف عن الدفع والذهاب لنادي باريس لجدولة ديونها".
ويرى أنه في هذه الحالة "تزيد الأمور اشتعالا وتأثيرها على المواطن كبير؛ لأن تأثير ذلك مباشر على عجز الموازنة، والدولة التي ستفرض ضرائب أكثر".
ويعتقد دوابة، أن "الدين سلاح ذو حدين إذا جرى استخدامه جيدا بمشروعات إنتاجية حقيقية تشغل العمالة وتعطي إنتاجا يسدد الدين نفسه، فيكون إيجابيا مع تحفظنا على موضوع سعر الفائدة لأنه ربا".
وختم: "أما إذا جاءت الاستدانة لترقيع ديون أخرى، أو للأسف الشديد وضع هذه الديون بأمور لا تحقق قيمة مضافة مثل بناء العاصمة الإدارية الجديدة وغيرها من المشروعات، فإن كل هذا له تأثير سلبي على البلاد".
"حالة الخديوي إسماعيل"
وفي رؤيته لدلالات حديث وكالة التصنيف الدولية وخطورة أن تصبح مصر أكبر مصدر للديون السيادية في المنطقة، قال الكاتب والباحث المتخصص في الاقتصاد السياسي الدكتور حسني كحله: " حالتنا الآن تشبه زمن الخديوي إسماعيل مع الديون للأسف".
وأضاف لـ"عربي21": "ليس هناك شك حول خطورة الديون بكل أنواعها على الاقتصاد المصري ومستقبل البلاد؛ مادامت غير مرتبطة باستثمار حقيقي منتج يمكن الدولة من سداد الدين"، مؤكدا أننا "في ضرر بالغ".
وعن الحلول المقترحة في تقديره كي تخرج مصر من فخ الديون، وتتلاشى توابعها وتأثيراتها على الدولة والشعب، أكد ضرورة "تغيير السياسة الخارجية لمصر أولا"، مضيفا: "ثم بعد ذلك فإن المعالجة الاقتصادية ستكون ممكنة على مشقتها".
ويعتقد أننا "الآن وصلنا لأسوأ السيناريوهات بسبب ملف الديون"، مشيرا لما وصلت إليه البلاد من "تضخم يرفع تكاليف المعيشة ويعوق الاستثمار، وبطالة عالية خصوصا بين المتعلمين، وتدمير الطبقة العاملة بسبب خصخصة القطاع العام".
وبشأن خسارة الأصول السيادية المصرية مع استمرار سياسة الاقتراض، أكد خطورة الأمر، لافتا إلى "أهمية ودور المساندة الخارجية للنظام"، لكنه قلل من تأثيرها وقيمتها الفعلية مع ما وصفه بـ"الاقتصاد المتداعي".
"تقرير كارثي"
مراقبون بينهم خبير التسويق هشام الجوهري، أكدوا أن تقرير الوكالة العالمية "كارثي"، وتصرفات النظام التي طالب بوقفها "تصرفات مجانين".
وتساءل عبر "فيسبوك": "ولو صرفوا هذه المبالغ الضخمة بمشاريع مثل الشوارع والكباري والمنازل وإطعام الشعب؛ كيف ومن أين سيتم تسديد ورد المبلغ الأساسي؟"، مضيفا أن النظام عندها ليس أمامه غير "بيع ورهن قناة السويس".