هل كان الاقتحام الحاقد للمسجد الأقصى “بروفا” مصغرة لهدمه

زياد ابو زياد.jpeg
حجم الخط

بقلم المحامي زياد أبو زياد 

 

اقتحام المسجد الأقصى وما حدث خلاله من اعتداء على المصلين وتخريب داخل المسجد القبلي ومساس بقدسيته يفرض نفسه فهو حديث الساعة ولا يمكن تجاهله أو التعامل مع الأمور وكأن شيئا ً لم يحدث.

وبداية أقول بأن الفعل بحد ذاته يُعتبر امتهانا ً لكرامة المسجد ولمشاعر المسلمين المؤمنين في كل مكان في شهر رمضان الفضيل وفي يوم الجمعة! وهو إن دل على شيء فإنما يدل بشكل قاطع على أن من أعطوا الأوامر باقتحام المسجد ينتمون أيديولوجيا وسياسيا ً لنفس مدرسة الأشخاص الذين لا يتورعون عن القول جهارا ً بأن هدفهم النهائي ليس تقاسم الأقصى مع المسلمين وإنما هدمه وإعادة بناء الهيكل مكانه. وهؤلاء لا يعترفون بقدسية المكان للمسلمين ولا يقيمون وزنا ً لمشاعرهم وبالتالي فإن المسجد بالنسبة لهم كأي مكان عام. وأكبر دليل على ذلك هو انتهاك حرمة المكان والدخول اليه بأحذيتهم المدنسة وإطلاق الرصاص وقنابل الغاز والقنابل الصوتية داخل المسجد والقيام بشكل همجي حاقد بإطلاق الرصاص على النوافذ الزجاجية التاريخية المزخرفة وتحطيمها بشكل لا يمكن أن يقوم به أحد إلا من التتر أو أحفاد جنكيزخان.
فالنوافذ التاريخية الزجاجية الملونة المزخرفة هي على ارتفاع أكثر من عشرة أمتار وليست في مرمى إطلاق الرصاص على المصلين حتى لو كان ذلك هدفهم. فالواضح أن إطلاق الرصاص على النوافذ وتهشيمها ليس سوى “بروفا” مصغرة لما يدور في نفوسهم المريضة من نية لتخريب الأقصى وهدمه.
لقد شاهد العالم كيف تم الاعتداء الوحشي على المصلين بما في ذلك المسنين كبار السن والصبايا اللواتي كن يقفن جانبا ً يحاولن توثيق ما حدث من خلال استخدام التصوير بهواتفهن، والصحفيين الذين لا يتم الاعتداء جسديا ً عليهم ومنعهم من أداء عملهم الصحفي الا في الدول المتخلفة الدكتاتورية التي تقمع الحريات وتحاول التعتيم على جرائمها ضد حقوق الانسان. إن إصابة العشرات بل المئات من المصلين واعتقال المئات واحتجازهم وتمديد توقيفهم وهم صيام لهو تحد لكل القيم الدينية والأخلاقية.
ليست هذه هي المرة الأولى التي تقع فيها مواجهات مع شرطة الاحتلال وحرس الحدود في ساحات المسجد، ولكن رجال أمن وشرطة الاحتلال كانوا في الماضي يمتنعون عن الدخول الى داخل المسجد ويكتفون بمحاصرته من الخارج الى أن يتم الاتفاق على طريقة لخروج المحاصرين من داخله، ولكننا شهدنا تصعيدا ً في السنوات المتوالية وبدأوا يدخلون الى داخل المسجد القبلي ويعيثون فيه تخريبا وتدنيسا ً وفسادا. وهذا التصعيد يتزامن ويسير جنبا الى جنب مع تصعيد وتكثيف اقتحامات المتدينين المتطرفين لساحات المسجد وإقامتهم الصلوات والطقوس التلموذية في ساحاته امعانا في محاولات التهويد وتغيير الأمر الواقع status quo الذي هو متعارفٌ عليه منذ عام 1855 أثناء العهد العثماني.
وقد جاءت الأعمال التخريبية أول من أمس في يوم الجمعة الثانية برمضان وفي أجواء روحانية إسلامية، ولكن الدعوات اليهودية المتطرفة لإدخال القرابين الى ساحات الأقصى وذبحها بمناسبة عيد الفصح اليهودي هي التي استفزت مشاعر المسلمين وخلقت وما زالت حالة من التوتر بين المصلين الذين تأهبوا للدفاع عن حرمة مسجدهم وصد محاولات الاعتداء عليه.
إن ما حدث يوم الجمعة الثانية في رمضان لهو ناقوس خطر ينذر بما يمكن أن يحدث لو تمادى المتطرفون في غيهم وفي سعيهم لفرض واقع جديد في المسجد. وعلى العقلاء على الجانب الإسرائيلي، إن وجدوا، أن يلجموا متطرفيهم ويكبحوا جماحهم لأن الفتنة القادمة، إن وقعت، فستكون أكبر وأخطر.
لقد قلنا وعلى لسان أكثر من مسؤول فلسطيني شعبي ورسمي بأن المسجد الأقصى هو قنبلة موقوتة وأن العبث بها هو كالعبث بقنبلة نووية إن انفجرت فسوف لا تُبقي ولا تذر. وإذا كان هناك في إسرائيل من انخدع بالهوان العربي المتمثل بالتطبيع المهين وظن أن العرب والمسلمين قد رضخوا واستسلموا للأطماع الإسرائيلية فإنه يخطئ كل الخطأ لأن الذي سيتصدى لأي مساس بالمسجد الأقصى أو بأية أماكن دينية بالمدينة هم أبناء القدس المؤتمنون عليها مسلمين ومسيحيين والذين لا يستطيع أحد أن يُطوعهم او يركعهم أو يفرض ارادته عليهم. وإذا ما ظن أحد بأن بإمكانه المساس بالأقصى فإن عليه أن يعرف بأنه يلعب بالنار وأنها ستحرقه.
لقد أدرك حاخامات اليهود وعلى مدى مئات السنين قدسية المكان والمخاطر التي تترتب على أية محاولة للمساس به فكانت فتواهم (هلخاه) بأنه لا يجوز لليهود الدخول الى ساحات المسجد ولكن الصهاينة الجدد الذين ركبوا موجة الدين لتحقيق أهداف سياسية هم الذين يثيرون الفتنة ويحاولون اشعال فتيل حرب دينية سيكونون هم الخاسرين فيها مهما خدعتهم أنفسهم بقوتهم وصورت لهم بأنهم قادرين عليها.
وعلى أية حال فإن المراقب السياسي لا يمكن أن يستبعد أن تكون أحداث أول من أمس هي أحداث تتغذى من الأزمة السياسية داخل إسرائيل والمشاحنات التي تدور بين السياسيين فيها سواء من هم داخل الحكومة أم من هم في المعارضة، وأن حكومة بينيت حاولت وتحاول ارسال رسائل الى ناخبيها في اليمين المتطرف بأنها أكثر قدرة من الحكومة التي سبقتها بقيادة نتنياهو على قتل العرب والتماهي مع المستوطنين في القدس والضفة ومع محاولات تهويد المسجد الأقصى. ولكن محاولة تصدير هذه الأزمة السياسية الداخلية الإسرائيلية الى الساحة الفلسطينية وحلها على حساب أرواح ودماء الفلسطينيين وأرضهم وقدسهم وأقصاهم هي محاولة ساذجة غبية لأنها تقوم على حسابات خاطئة وتفتقر الى فهم القوة الكامنة للشعب الفلسطيني، وفهم المضاعفات التي يمكن أن تترتب على استمرار هذه العنجهية الإسرائيلية في مواجهة شعب أقسم على ألا يركع إلا لله.