أزمة العلاقات بين روسيا وإسرائيل

تنزيل.jpg
حجم الخط

بقلم د عاطف أبو سيف

 

 

بدا تصويت إسرائيل لصالح تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان مثيراً للضحك، إذ إن الدولة الأكثر انتهاكاً لحقوق الإنسان في التاريخ الحديث والمعاصر يمكن لها أن تنتقد دولة أخرى. وبقدر هذه السخرية فإن هذا التصويت ذاته كشف عن عمق ازدواجية تعامل المجتمع الدولي مع الأزمة في أوكرانيا والقضية الفلسطينية. وبالطبع ثمة ما يمكن أن يقال عن الحرب الدائرة داخل أوكرانيا والصراع المسلح الذي يجري هناك ولكن المؤكد أن العالم لا ينظر بنفس العيون إلى ما تقوم به دولة الاحتلال من جرائم بحق شعبنا وبين ما يقع في الحرب الروسية الأوكرانية من انتهاكات. وربما لولا هذه الازدواجية ما كانت تل أبيب لتجرؤ على أن تعبر عن أي موقف يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان أو بنقد ما يجري بشكل عام.
إن هذه الازدواجية هي ما جعلت مثل هذا الموقف الإسرائيلي ممكناً. وبالنظر إلى تاريخ جرائم إسرائيل التي قامت بالأساس على جريمة غير مسبوقة في تاريخ البشرية والمتمثلة باقتلاع شعب من ارضه وسرقتها منه ونفي من نجا بالصدفة من الذبح وبقر البطون وقتل الشيوخ والأطفال والنساء، فإنه يمكن لمن يجري أي مقارنة بينها وبين أي جرائم أخرى أن يتوقف عن مثل هذه المحاولات الساذجة لأنها لن تجلب إلا المزيد من السخرية إذ إن ما يجري في فلسطين غير مقارن بأي مكان آخر في العالم.
لقد حاولت إسرائيل مراراً أن تظل رابحة في كل الظروف وفي كل النتائج لذلك حاولت منذ البداية الظهور بمظهر الوسيط النزيه الذي يريد أن يحل خلافاً قائماً بين صديقين. آخر ما تريده إسرائيل أن تقع عليها أي تبعات إن هي اتخذت موقفاً خاطئاً لصالح دولة على حساب دولة. فإن انتهت الحرب لصالح موسكو فعلى الأخيرة أن تتذكر أن إسرائيل كانت معها وإن نجحت كييف في تجاوز الأزمة فعلى الأخيرة أن تتذكر أن إسرائيل كانت معها. إن الموقف الحيادي الإيجابي الذي سعت إسرائيل لتبنيه معتمداً على سكانها الذين يأتي قسم كبير منهم من روسيا وأوكرانيا لم يصمد كثيراً إذ إن العالم في نهاية المطاف بحاجة إلى موقف، بحاجة إلى وجهة نظر واضحة.
إن طول الأزمة هو ما فرض على إسرائيل، وإن كانت غير راغبة، أن تتبنى موقفاً واضحاً في الأزمة الدائرة. صناع القرار في تل أبيب لم يكن لديهم رغبة أن يتخذوا أي موقف، ولا أن يعبروا عن أي وجهة نظر. وربما أن تصريحات الرئيس الأوكراني أمام الكنيست الإسرائيلي المتهمة لإسرائيل بالتخاذل وعدم دعم أوكرانيا معتمداً هو الآخر على كونه يهودياً، كشفت جزءاً من عقم سياسة التظاهر بالحياد الإسرائيلية.
أيضاً طبيعة الائتلاف الحاكم والتباينات في وجهات نظر أطرافه الكبرى سرعت من الجهر بدعم الدول الغربية المساندة لأوكرانيا وتوجيه الانتقاد بشكل علني لموسكو. الائتلاف المكون من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ما كان له أن يصمد أمام ضخامة ما يجري من أحداث داخلية وخارجية خاصة أن ثمة تباينات في فهم طبيعة الصراعات الخارجية معقودة على توجهات فكرية مختلفة. لقد كانت تصريحات يائير لابيد في السابع من نيسان قبل عشرة أيام من البيان الروسي الناقم على إسرائيل إيذاناً بأن إسرائيل كانت وما زالت وستظل للأبد تقف في المعسكر الغربي بشكل كامل في أي أزمة كونية.
تأسيساً، فإن الرد الروسي على الموقف الإسرائيلي الداعم لإقصاء موسكو من مجلس حقوق الإنسان استند في الأساس على انتقاد ملف إسرائيل الحقوقي. لقد كان لسان حال الخارجية الروسية يقول، «إلا إسرائيل»، لو كل العالم انتقدنا على ما نقوم به باعتباره انتهاكاً لحقوق الإنسان فإن إسرائيل من بين كل دول العالم لا يحق لها أن تنتقدنا بسبب سجلها الأسود. إن مجرد انتقاد تل أبيب لموسكو في هذا الأمر تحديداً يشكل إهانة كبيرة للأخيرة بسبب ملف تل أبيب الأسود وجرائمها التي لا توصف ضد حقوق الإنسان في فلسطين. لذلك فإن البيان الروسي بقدر غضبه إلا أنه كشف عورة ازدواجية المعايير التي يتعامل فيها العالم مع فلسطين، وذكر بقوة بكل هذه الازدواجية.
لقد أوضح البيان الروسي أن إسرائيل تحاول الاستفادة من الوضع في أوكرانيا لصرف انتباه المجتمع الدولي عن أحد أطول النزاعات التي لم يتم حلها، الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ووصف البيان إدانة وزير خارجية الاحتلال للحرب الدائرة لابيد بأنها «محاولة مقنعة وبائسة» لصرف اهتمام الرأي العام العالمي عن القضية الفلسطينية. ووصف بيان لابيد بالعدواني.
وقالت الخارجية الروسية في إشارة لحصار الاحتلال قطاع غزة، إن حكومة إسرائيل «تواصل الاحتلال غير المشروع للمناطق الفلسطينية، وتضمّها بالتدريج إلى سيادتها»، مشيراً إلى أنَّ «هناك مليونين ونصف المليون فلسطيني يعيشون في جيوبٍ منفصلةٍ ومنقطعةٍ عن العالم وأنَّ القطاع أصبح فعلاً سجناً مفتوحاً يعيش سكّانه منذ 14 عاماً في ظروفِ الحصار الذي تفرضه إسرائيل، بحراً وبراً وجواً». وانتقدت الخارجية الروسية مواقف الدول الغربية حيث قالت، إن دول الغرب والولايات المتحدة مرّت مرور الكرام على استمرار الاحتلال الإسرائيلي.
بالطبع، ثمة غضب وقلق في تل أبيب من شدة لهجة البيان الروسي ومحاولة لتقديم الأمر أنه بما تدين تدان، فموسكو طالما صوتت ضد إسرائيل في الجمعية العامة ومن حق الأخيرة التعامل بالمثل. ومع هذا فإن تل أبيب تدرك أن الأمر كذلك كما تدركه موسكو. ستسعى إسرائيل إلى ترطيب الأجواء من موسكو بعد أن قالت للغرب، إنها في الشدائد تقف معه حتى تواصل التمتع بدعمه السافر في المؤسسات الدولية، لكنها ستعمل جاهدة على تخفيف الأمر وكأنه يجب ألا يشكل صفعة للعلاقات العميقة بينها وبين روسيا.