سيعيش الفلسطينيون في الأراضي المحتلة وكل من يتأثر بهم أزمة غير محسوبة أو محمودة النتائج في حال شغور منصب الرئيس في الظروف الراهنة. فالظروف الفلسطينية والإقليمية والدولية التي واكبت وساعدت على الانتقال السلس للسلطة بعد وفاة الرئيس الراحل أبو عمار في تشرين ثاني/نوفمبر عام 2004 غير متوفرة اليوم. بل إن الظروف الفلسطينية الداخلية -وهي الأهم- تبدو معاكسة تماماً لانتقالٍ سلسٍ للسلطة في حال شغور منصب الرئيس.
فبالرغم من رمزية أبو عمار كقائد تاريخي ورئيساً لمنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية وقائداً لحركة فتح لفترات طويلة، وصعوبة تلك الفترة على الفلسطينيين خاصة من آثار الانتفاضة الثانية، إلّا أن الشعور اليومي بالتهديد من الاحتلال جعل من مشاعر التضامن والوحدة بين الفلسطينيين بأن تكون كفيلة بتجاوز أية محنة. كذلك كانت الحركة الوطنية متنبهة وحريصة على ضرورة تجاوز الأزمة بالاحتكام للقانون. الذي وحسب المادة (37/2) من القانون الأساسي المعدل لعام 2003 نظم حالة شغور رئاسة السلطة بسبب الوفاة أو الاستقالة أو فقد الأهلية القانونية بتولي رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني مهام رئاسة السلطة مؤقتاً لمـدة لا تزيد عن ستين يوماً تجرى خلالها انتخابات لانتخاب رئيس جديد. وهذا ما جرى، حيث تقلد روحي فتوح رئيس المجلس التشريعي آنذاك منصب الرئيس. وانتخب الرئيس محمود عباس رئيساً للسلطة بتاريخ 9/1/2005.
أما اليوم ومنذ عام 2007، يعيش الفلسطينيون في الضفة الغربية التي تحكمها حركة فتح وقطاع غزة الذي تحكمه حركة حماس، يعيش الفلسطينيون انقساماً حاداً يلقي بظلاله على كل الحالة الفلسطينية. وقد فشل طرفا الانقسام على انهائه بالرغم من المحاولات الكثيرة وتأكيد كلتا الحركتان في كل الأوقات بأنه لا بديل ولا تحقيق للأهداف الوطنية دون إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة.
ولزيادة "الطين بلة"، قام الرئيس في شهر كانون أول/ديسمبر 2018 بتوصية من "المحكمة الدستورية" المثيرة للجدل، بحل المجلس التشريعي المنتخب عام 2006، إلّا أن ذات القرار قضى بضرورة إجراء انتخابات تشريعية جديدة خلال ستة أشهر. مما يعني أن عدم إجراء انتخابات تشريعية جديدة يعني بالضرورة اعتبار قرار حل المجلس التشريعي كأنه لم يكن، ويدعم هذا التفسير المادة ( 47 مكرر) من تعديل القانون الأساسي عام 2005 التي نصت على "تنتهي مدة ولاية المجلس التشريعي القائم عند أداء المجلس الجديد المنتخب اليمين الدستوري". لكن، تحاول بعض الأصوات الفتحاوية الالتفاف على القانون الذي نظم شغور منصب الرئيس بالادعاء بأنه منذ الاعتراف الأممي بفلسطين كدولة غير عضو عام 2012، أصبحت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حكومة الدولة الفلسطينية، والمجلس الوطني للمنظمة برلماناَ للدولة!! والمفارقة هنا، أن ذات الأصوات هي التي عملت على تهميش وإضعاف مؤسسات المنظمة لصالح مؤسسات السلطة. كذلك، إذا كان ادعاء تلك الأصوات صحيحاً، لماذا لم يتم العمل به منذ الاعتراف المذكور؟ ولماذا لم تتولى اللجنة التنفيذية للمنظمة مهام مجلس وزراء السلطة؟ ولماذا استمر الرئيس بإصدار قرارات بقوانين إذا كان هناك برلماناً للدولة؟
إن عدم الاحتكام للقانون أو عدم وجود توافق وطني ينظم أزمة شغور منصب الرئيس قد يؤدي إلى صراع على السلطة قد لا يقتصر على حركتا فتح وحماس، وإنما قد يمتد ليشمل كل المكونات السياسية خاصة في حالة الاستقطاب الشديدة بين الحركتين. بل إن الصراع قد يكون أكثر شدة داخل حركة فتح ذاتها، التي كما نعرف كانت ستُمثل بثلاث قوائم انتخابية في الانتخابات التشريعية التي كانت ستجري في أيار الماضي قبل قيام الرئيس بالغائها من طرف واحد (دون توافق وطني).
لتفادي المخاطر التي ستنتج عن شغور منصب الرئيس في الظروف الراهنة والتي قد تكون مدمرة على القضية الوطنية والمجتمع، لا بديل عن تحديد موعد لانتخابات تشريعية ورئاسية متزامنة، والاتفاق على نظام انتخابي جديد (يحبذ العودة إلى نظام الدوائر الكامل كما كان في انتخابات 1996). كذلك يجب إعادة تفعيل المجلس التشريعي المنحل لتفادي سيناريو شغور منصب الرئيس قبل إجراء الانتخابات. وهنا لابد من الإشارة إلى أن تنازلات حركة حماس الكثيرة والكبيرة في سبيل تذليل عقبات إجراء الانتخابات الملغاة، تؤهلها لإبداء مرونة للتوافق مع حركة فتح على انتخاب رئيس جديد للمجلس التشريعي من خارج الحركتين في أول جلسة تعقد للمجلس التشريعي بعد إعادة تفعيله.