هارتس: "المُفاعل الديني" والدولة الدينية

تسفي-برئيل.jpeg
حجم الخط

بقلم: تسفي برئيل

 

 


المسيحانيون في اليمين على حق عندما يحاولون مرة تلو الأخرى اقتحام الحرم/ جبل الهيكل من اجل ترسيخ سيادة دولة إسرائيل فيه. بالنسبة لهم، ليست الصلاة هي الأساس، بل السيادة، السيطرة، الملكية والصلاحية. هم على حق عندما يقولون، إن إسرائيل لا تسيطر على هذا المكان المقدس، حيث إنه طالما أن اليهود لا يمكنهم الصلاة فيه كما يريدون فإن جبل الهيكل ليس في أيدي الدولة. حيث إنه في نهاية المطاف ما هي الجدوى من اعتبار الدولة دولة يهودية إذا كان المكان الأكثر قداسة لمؤمنيها قد وافقت على تقاسمه مع المسلمين. ليس فقط تقاسمه، بل التنازل حقا والانسحاب مما هو حق لها منذ الأزل ومكتوب على اسمها في سفر الأسفار.
هذا ليس التناقض الوحيد الذي تحدثه الدولة الدينية. الحرم/ جبل الهيكل يقع في المنطقة التي ضمتها إسرائيل لنفسها، وحتى الآن اعترفت بهذه السيادة فقط إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. ولكن أيضا لو أن الضم معترف فيه في كل العالم فإن التسويات على الحرم تخضع لالتزامات إسرائيل تجاه الأردن، كما هي مصوغة في اتفاق السلام معه من العام 1994، ولتفاهمات تمت بلورتها بعد ذلك واستهدفت تبريد هذا المفاعل الديني الساخن، الذي ينفجر بصورة متواترة مثل مرجل هستيري.
مباشرة بعد العام 1967 قرر موشيه ديان أن تبقى إدارة الحرم بيد الأوقاف الأردنية. في العام 2015 صادق رئيس الحكومة في حينه، بنيامين نتنياهو، على ما يسمى «موافقات كيري» (على اسم وزير الخارجية الأميركي في حينه جون كيري) وفي ضمنها اعتراف إسرائيل بالدور الاستثنائي للأردن في حماية الأماكن المقدسة، والتزام بمواصلة تنفيذ المبدأ الذي ينص على أن «المسلمين يمكنهم الصلاة في الحرم، أما غير المسلمين فيمكنهم زيارته لكن دون الصلاة فيه». صفقة القرن لترامب طرحت تناقضا جوهريا آخر. فمن جهة هي تحافظ على التسويات التي كانت سارية حتى نشرها، لكن على الفور بعد ذلك هي تنص على «أبناء كل الأديان يمكنهم الصلاة في الحرم بصورة تحترم دينهم».
إن اقتحامات «أمناء جبل الهيكل» للحرم وحلمهم ليس فقط بالصلاة في الحرم، بل أيضا أن يقيموا عليه مرة أخرى الهيكل الذي هو مشروع بالضرورة سيقتضي هدم المساجد الإسلامية، بل يعرضون قضية السيادة كذريعة أساسية للجنون. هم يعتبرون انفسهم رأس السهم الذي يمكنه أن يفرض على الدولة السيطرة على الحرم مثلما نجحوا في»ضم» مغارة الماكفيلا (الحرم الإبراهيمي) وإنبات توابع من المستوطنات التي خلقت الدولة الموازية، دولة المستوطنين التي شكلت وجه دولة إسرائيل الأصلي. حسب رأيهم، دون جبل الهيكل لن تستطيع إسرائيل أن تكون دولة يهودية، وهكذا فإن علة وجودها ستتبخر. حسب رأيهم حتى إذا اندلعت حرب دينية، وحتى إذا قطعت علاقات إسرائيل مع أصدقائها العرب، القدامى والجدد، وبالتأكيد إذا فرضت عليها عقوبات، فإن السيطرة المطلقة على جبل الهيكل تساوي هذا الثمن.
ليس من الغريب أن هذا النفي لن يقنع بشكل خاص المسلمين. البناء حول الحرم والسيطرة على بيوت عرب، بالأساس الإدراك بأن حكومات إسرائيل ليست هي السيد الفعلي في المناطق المحتلة، بل القوى المسيحانية (التي حتى أنها خططت لتفجير المساجد) هي التي تقرر جدول الأعمال، كل ذلك طور لدى المسلمين ما يسمونه في إسرائيل الرهاب الإسلامي، ومن ناحية المسلمين هو تشخيص حقيقي. لأنه عندما يستطيع «زعماء» مثل ايتمار بن غبير وبتسلئيل سموتريتش أن يكونوا أعضاء كنيست وربما حتى وزراء فإن الحرب على الحرم ليست سوى مسألة وقت.

عن «هآرتس»