أتفاجأ بمشاعر في شرايين الحياة، حركة عشوائية «مايكرو» عاطفية، عودة ذاكرة التفاعل في المساحة الحرام بين غزة وغزة.
سأقدم أوراق اعتمادي كمواطنة على شبابيك مفتوحة على الانقسام، تحلل طلاسم أوراق ثبوتية، مسحوب منها دسم السيادة التي تنشطر كأميبيا نشطة.
لا آتي بجديد؛ حكومة الوفاق الوطني فكرة في خيال البعض، آلية شكلية ومسمى مسطح.
السلطة تتواجد على معبر يسمى «خمسة خمسة»، بينما تسيطر حركة حماس على المعبر الذي يليه والمسمى «أربعة أربعة»، يؤدي العمل السيادي، يسمح ويمنع، الأمني والفني.
لا أحد يمتلك تفسيراً منطقي لأسماء المعابر «الديجيتال»..هي ليست معابر بالمعنى الحقيقي، بل بضعة نوافذ يُقدِّم إليها المواطنون المحظوظين أوراقهم، من الحاصلين على تصاريح التنقل بين جناحي الوطن المشطور.
لماذا لا يُلجأ إلى حل شبيه على معبر رفح الجنوبي مع مصر، معبر على الحدود مع مصر تديره السلطة الفلسطينية، والآخر داخلي تستلمه حكومة الظل الحمساوية، الحاكم الفعلي في قطاع غزة.
هل تتقبل حماس الوجود ثانياً كما تقبلته على الحدود الشمالية مع الاحتلال؟ الجواب يتوقف على تضحية حركة حماس بهدف تشريع علاقتها مع الدولة المصرية، كل ما تحتاج إليه الصبر وشراء الوقت.
كأن بيت الرئيس الراحل «أبو عمار» أحد غنائم المنتصرين على جبل «أحد». كأننا نضرب أنفسنا بما تصله أيدينا، وليس أقرب من وجوهنا إليها. ما الذي يحمل حزباً كبيراً على احتلال بيت الرئيس؟! ألم يكن أمامهم خيار أقل فجاجة واستفزازا...؟!
في بيت الرئيس المهجور نلتقط الصور مع الأثاث المتواضع.. أتفحص الأوسمة والهدايا المقدمة لفلسطين. أمسح الغبار عن الملفات في الطابق الأرضي للإحاطة بالقضايا محط اهتمام الرئيس، ملف مرضى الهيموفيليا والتيلاسيميا، وآخر عن الميناء والمطار وملفات عن المستوطنات. ملفات تؤرخ لمرحلة رحلت.. أقرر ألا أستكمل قراءة عناوين ملفات الرئيس.
غزة من طابقين: علوي وسفلي، في غزة عالَمان متقابلان بمعنى الاختلاف والتناقض، عالم الأقلية المترفة التي لا ترى العالَم الآخر، لكنها تملك ترف الحديث عن وجعه وحرمانه.. وعالَم الأكثرية المقهورة والمسحوقة التي تعيش واقع الفقر المدقع، البطالة في أعلى معدلاتها بوجود مئتي ألف مواطن عاطل عن العمل، وثلاثة أرباع الأسر تتلقى المساعدات الغذائية، ركام البيوت المدمرة، أحلام إعادة الإعمار، اكتظاظ كرفانات تغيب عنها الكرامة، بيئة ملوثة تنازع من أجل الحياة، الهروب من دمار الحياة إلى تجاهل الذات وتناسيها، أتوارى خجلاً أمام حلول «الترامادول».
عالمان في غزة، عالم الطبقة الحاكمة وعالم الطبقات المحكومة، يسيران في خطين متوازيين لا يلتقيان، عالمان يعيشان معاً في حصار من الجهات الأربع.
الطبقة الحاكمة تجد حلولها وفك حصارها باستغلال الطبقات المحكومة، الضرائب والأتاوات، والسطو على الأموال بواسطة الضرائب الحلال.
ظلم ذوي القربى أشد مضاضة، غزة ترضى بالبين والبين لا يرضى بها، بل يمعن في إيجاد عناوين للاستغلال باسم الدين تارة وبيع وعود الصبر الجميل تارة أخرى..
لقد أصبحت غزة بلد المليون فقير الذين يُفرَض عليهم الضرائب والرسوم. ضريبة التكافل تطورت إلى فرض ضريبة التعلية. رفع الضريبة المفروضة على الخضار والفواكه المستوردة من إسرائيل، من ثلاثة دولارات إلى ثلاثين دولاراً على الطن الواحد. ضريبة على علف الدجاج، ضريبة على البيض والمحروقات، وأخيراً ولن يكون الأخير، رسوم إضافية تقدر بدينار اردني واحد على كل علبة سجائر، مليون فقير يموِّل خزينة الحزب.
غزة لا تزال تبحث عن نفسها، مستمرة في البحث عن سر البقاء بين الأنقاض. تسأل عن الطريق إلى حفظ ما تبقى من كرامة لم تتدمر.
لم يتبين بعد الخيط الأبيض من الأسود، خيوط الصمود وإعادة بناء البلد والإنسان، لمواجهة الاحتلال والانقسام.
وللمقال بقية...