معاريف : ضرب غزة بمثابة علاج للمشكلة غير الصحيحة

د دورون مصا.jpeg
حجم الخط

بقلم: د. دورون مصا


كالمعتاد تتجه الأنظار إلى «حماس» والى قطاع غزة في سياق احتدام الوضع الأمني. من يتذكر أن موجة الإرهاب بدأت بعمليات قام بها عرب إسرائيليون في بئر السبع وفي الخضيرة، تواصل بعمليات قام بها فلسطينيون في بني براك وفي تل أبيب، تدحرج إلى تصعيد في الضفة، من هناك إلى شرقي القدس والحرم، ومحطة أخيرة – قطاع غزة. صواريخ معدودة أطلقت من أراضي القطاع، معظمها لم تكن ناجعة. الجيش الإسرائيلي هاجم بشكل رمزي بل واغلق مؤقتا معبر «إيريز» فيما وصفه محللون كثيرون ذوو ذاكرة قصيرة كسياسة جديدة لممارسة الضغوط الاقتصادية.
لقد أعاد التركيز على القطاع ظاهرا صورة النزاع إلى مكانه الطبيعي المزعوم، إذ ما هو اكثر سهولة ووضوحا من رسم صورة المواجهة عبر زاوية النظر المعروفة والواضحة جدا المتمثلة بـ»حماس» مقابل إسرائيل. ها هو وجد العدو وكأنه ضاع في موجة الإرهاب الأخيرة، وفيه يمكن بالطبع تركيز الاهتمام وتحديد المسؤولية الواضحة، عنوان ملموس يحرك خيوط الإرهاب وهو سبب الأسباب أيضا للإرهاب في الضفة. ومن هنا قصيرة الطريق إلى البحث في مسألة الردع الإسرائيلي بالنسبة للقطاع والاستراتيجية الإسرائيلية بالنسبة لـ»حماس».
لكن يبدو أن الوضع الأمني في الأسابيع الأخيرة لا يرتبط بحبله السري بـ»حماس» والبحث في مسألة السياسة الإسرائيلية تجاه الحركة الإسلامية الفلسطينية مهم على المستوى المبدئي، ولكنه في التوقيت الحالي عديم القيمة الحقيقية بالنسبة للمشكلة التي تتصدى لها إسرائيل. ليست «حماس» هي التي أثارت موجة الإرهاب الأخيرة وليست هي التي وقفت خلف خلايا الإرهاب التي انكشفت في الضفة وفي أوساط عرب إسرائيل، حتى لو كانت لها مصلحة أساسية في تدهور الوضع الأمني في القدس وفي مناطق السلطة الفلسطينية. «حماس» هي في أقصى الأحوال راكب بالمجان ونوع من الطفيلي الذي يركب برقة – بغياب مصلحة حقيقية في معركة شاملة مع إسرائيل في التوقيت الحالي – على الموجة التي لا يوجد لمحدثيها عنوان واضح حقا. وهذا أيضا هو قلب المشكلة.
يدور الحديث عن جملة من العناصر النشطة الذين لا يرتبطون بمركز أعصاب تنظيمي – سياسي محدد والذين ينبع واجدهم في الميدان ومحاولتهم لهز الاستقرار الأمني في العقد الأخير ضمن أمور أخرى من ضعف مزدوج: ضعف إسرائيل كمؤسسة دولة بالنسبة لما يجري في الوسط عندها، وضعف السلطة الفلسطينية بالنسبة لما يجري في محيطها في الضفة. من داخل هذا الضعف ينمو تحد مزدوج: سواء على الاستقرار الأمني، بما في ذلك بالمعنى بالجنائي، أم على النخب المتماثلة معه في رام الله وفي القدس.
الانطباع هو أنه بينما تعرف إسرائيل كيف توفر أجوبة، جيدة إلى هذا الحد أو ذاك، بالنسبة للواقع في القطاع وللتحديات الأمنية النابعة منه، فإنها يصعب عليها أن تتصدى للتحدي الأمني الذي لا يتعلق بالقطاع لأنه لا يرتبط بعنوان واضح بل هو نتيجة مسيرة زاحفة تفكك عندها من الداخل وعند شريكتها في رام الله النسيج الاجتماعي الذي يتعلق الاستقرار الأمني بحفظه.
من زاوية النظر هذه، فإن ضربة إسرائيلية للقطاع هي مثابة علاج للمشكلة غير الصحيحة. فهي لن تحل التآكل الزاحف المتواصل في مكانة إسرائيل في داخل بيتها ولا سياقات تموضع أولئك الذين يتحدون النظام السياسي – الأمني في الضفة. الربط بين الاثنين ينطوي على تهديد اهم بكثير من مجرد صاروخ آخر لـ»حماس». إسرائيل تعرف كيف تدار الحروب في قطاع غزة وكيف التصدي لتهديدات صواريخ «حماس»، لكن لا فكرة لديها كيف تدار الحروب في داخل البيت، وليس اقل من ذلك كيف التصدي لإمكانية انهيار ساحتها الخلفية في الضفة وفي شرقي القدس حيث عناصر الاحتكاك اليهودي العربي ملموسة بلا قياس عنه في قطاع غزة وتنطوي على تهديدات لم تتأهل القبة الحديدية للتصدي لها.

عن «معاريف»