كذبة بيع الفلسطينيين لأراضيهم لليهود الصهاينة هي كذبة صهيونية بإمتياز (كذبها الصهاينة وصدقها مغفلوا العرب)، ولذا لم يتوقف الصهاينة واعلامهم الخبيث عن ترويج هذه الأكذوبة بين الحين والآخر، ويتلقفها المغفلون والمغرضون ويرددونها بغباء، دون إدراك أو بإدراك سواء لما تمثله من شرعية مزيفة وباطلة للكيان الصهيوني، واساءة بالغة لشعب فلسطين الأبي الصابر والصامد، رغم كل اصناف القهر والظلم والقتل والتشرد التي عاناها ولازال على يد الإستعمار المركب والعنصري منذ انهيار الدولة العثمانية واحتلال فلسطين من بريطانيا الإستعمارية وانتدابها عليها إلى يومنا هذا، وقد سطر الشعب الفلسطيني خلالها أروع الملاحم والمعارك مع المستعمر البريطاني ومن بعده مع العصابات الصهيونية وكيانها الغاصب، دفاعا عن وطنه وأرضه وشرفه وكرامته ودفاعا عن مقدساته الإسلامية والمسيحية.
الكذبة الصهيونية التي تدعى أن الفلسطينيين قد باعوا أرضهم لليهود الصهاينة يفندها الواقع والتاريخ. ومن أجل توضيح الحقيقة واسقاط ونفي هذه الكذبة الخطيرة نود أن نوضح ما يلي، في العهد العثماني البائد كانت كل الأرض تعتبر من أملاك الدولة أو السلطان ويطبق عليها نظام المزارعة مقابل الخراج أو الضرائب التي تفرضها الدولة العثمانية على المزارعين وتقوم بجبايتها بموجب نظام الإمتياز الظالم.
.. وهذا الحال والنظام شبه الإقطاعي كان مطبقا في كامل أراضي الدولة العثمانية إلى عام 1860م حيث كانت الدولة تمرُ بضائقة مالية خانقة قامت على اثرها بالبدء بتطبيق نظام الطابو أي تسجيل الأرض بإسم من يفلحها لقاء رسوم وضرائب باهظة فتم تطويب جزء من الأراضي وبقي الجزء الأعظم منها أراضي دولة أو أميرية أو سلطانية أو جفتلك وجميع هذا المعاني والمصطلحات تعني أنها أراضي دولة، رغم وجود فلاحين وقرى ومدن قائمة عليها وينتفعون بها فلاحة وعمرانا.
وفي ظل تصاعد الأزمة المالية للدولة العثمانية ولسدِ بعض العجز قامت الدولة بإلزام بعض التجار في دمشق وحلب وبيروت بدفع مبالغ مالية لخزينة الدولة لقاء تطويب أراض لهم في غور بيسان وفي مرج ابن عامر في فلسطين، دون أن يعرفوا موقع هذه الأراضي ودون علم من يفلحونها وينتفعون بها ..
هذا النوع من الأراضي بات لقمة سائغة للإستعمار وللحركة الصهيونية عندما انهارت الدولة العثمانية وحلَّ مكانها المستعمر البريطاني .. حيث سهل واشرف على هجرة اليهود إلى فلسطين ومنح عصاباتهم وجمعياتهم مساحات من أراضي الدولة كما نشط الصندوق اليهودي (الكيرن كيمت) بهدف شراء الأراضي لإقامة المستوطنات عليها ..
هنا تمكن الكيرن كيمت من شراء بعض أراضي من بعض تجار دمشق وحلب وبيروت .. فعلى مدى فترة الإنتداب لم يتمكن اليهود من امتلاك إلا نسبة تعد ضئيلة من الأراضي تتراوح ما بين 4 إلى 6 بالمئة من الأراضي الفلسطينية التي تسربت لهم ومعظمها منح من دولة المستعمر أو شراء بعض أراضي التجار المشار اليهم فيه واسماؤهم معروفة .. وهذا لا يمثل بأي شكل من الأشكال مسوغا ومبررا لإغتصاب وطن شعب بأكمله وتشريده واغتصاب سيادته على وطنه وإقامة كيان غاصب عليه لأن فئة غريبة استوطنت فيه أو امتلكت جزءا من أرضه.
المسألة ليست مسألة بيع أو شراء أراضي، انها مسألة اغتصاب وطن وتشريد شعبه وسلبه حقوقه الوطنية بخطط استعمارية ممنهجة ومتفق على تنفيذها من قبل الإستعمار لإغتصاب فلسطين وتشريد أهلها وصناعة مستعمرة وكيان قومي عنصري بإسم انقاذ اليهود من وحشية وعنصرية اوروبا، لتأدية دور ووظيفة استعمارية في قلب الوطن العربي.
هذا ما تم في عام 1948 م في 15ايار اعلنت بريطانيا انتهاء انتدابها على فلسطين بعد أن مكنت اليهود الصهاينة التي جلبتهم وعصاباتهم وسلحتهم بأحدث الأسلحة ليرتكبوا أبشع المجازر ويمارسوا التطهير العرقي بحق الفلسطينيين. وتشريدهم والاستيلاء على مدنهم وقراهم وأراضيهم عنوة وبالقوة ...
فقضية اتهام الفلسطينيين بيعهم لأراضيهم واتخاذها مسوغا أو مبررا لإغتصاب وطنهم وسيادتهم عليه وإنشاء الكيان الصهيوني بدلا من تمكينهم من استقلالهم وإقامة دولتهم المستقلة على وطنهم ما هي إلا فرية وكذبة صهيونية استعمارية يفندها الواقع والتاريخ ومخططات الإستعمار وقرارات مؤتمراته من مؤتمر سان ريمو إلى صك الإنتداب وقبلهما وعدُ بلفور وخطط مؤتمر كامبل بنر مان وصولا إلى اليوم مع (صفقة القرن الأمريكية ..)
أرجو أن أكون قد قدمت إضاءة على هذه الفرية والكذبة التي تروجها الصهيونية وعملائها ويصدقها الجهلاء والمغفلين من عرب وغيرهم.
الفلسطينيون لم ولن يبيعوا أرضهم أو وطنهم وسيواصلون كفاحهم وصمودهم وتمسكهم الثابت بحقوقهم التاريخية السياسية والقومية في وطنهم حتى يستردوها كاملة غير منقوصة بإذن الله ... وللحديث بقية.