مرحباً في عالم مضطرب خطير

حجم الخط

بقلم: هيلين تومبسون*

 

 

يساور الأميركيين القلق إزاء أسعار الغاز، في الوقت الذي بدأ فيه الألمان في غلق أجهزة التدفئة. وشهدت بيرو اشتعال احتجاجات عنيفة - جرت مواجهتها بإجراءات قمع عنيفة - بسبب ارتفاع أسعار الوقود. وفي نيجيريا، انهارت شبكة الطاقة الوطنية في الفترة الأخيرة. وقد جرى كل هذا فقط هذا الربيع.
بالتركيز على المستقبل، حذرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتغييرات المناخية التابعة للأمم المتحدة، في تقرير صدر في 4 أبريل (نيسان)، من أن القليل للغاية نحو تحول الطاقة باتجاه الطاقة النظيفة، والذي يمكن أن يحول دون حدوث ارتفاع مدمر في درجات الحرارة على مستوى العالم.
والواضح أن هذه الأزمة المستمرة والمتأججة المرتبطة بالطاقة وتكاليفها، والسياسات المحيطة بها لن تختفي قريباً.
من جهته، عمد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تصعيد حدة هذه الأزمة. وتسبب اجتياحه لأوكرانيا في ارتفاع الأسعار وأجبر أوروبا - حتى الآن أكبر مستورد للغاز الطبيعي الروسي - على الشروع في محاولة لإنهاء اعتمادها الطويل الأمد على الغاز الروسي.
ومع ذلك، لم يكن بوتين السبب الوحيد في هذه الأزمة، فعلى امتداد عام تقريباً قبل الاجتياح الروسي لأوكرانيا، ناضل جانب العرض من أجل تلبية جانب الطلب؛ ما تسبب في ارتفاع الأسعار. جدير بالذكر، أنه في عام 2020 انخفض إنتاج النفط الصخري وانخفض معدل نمو الغاز الصخري.
اليوم، تحطمت آمال الرئيس الأميركي جو بايدن في أن يتمكن من تركيز فترة رئاسته على المناخ. وبسبب عجزه عن إحياء اتفاق نووي مع إيران من شأنه أن يعيد النفط الإيراني إلى الأسواق العالمية، بدأ بايدن العام الماضي في مطالبة المنتجين الآخرين بزيادة إنتاجهم. ومع ذلك، مرت ضغوطه بلا جدوى. وفي الوقت نفسه، نما طلب الصين على واردات الغاز بنسبة 20 في المائة خلال عام 2021؛ الأمر الذي ساعد على دفع أسعار الغاز الأوروبية نحو ستة أضعاف بين مارس (آذار) وديسمبر (كانون الأول).
وتسبب هذا الوضع بالفعل في خلق ضغوط على السياسيين، لكن صدمة بوتين كشفت عن مدى مخاوف الحكومات من ارتفاع تكاليف الوقود الأحفوري، بغض النظر عن خطابهم المتفائل بأن الأسعار المرتفعة ستشجع الانتقال إلى مصادر طاقة أكثر صداقة للبيئة. ومن خلال إطلاق مليون برميل من النفط يومياً من الاحتياطي البترولي الاستراتيجي بين مايو (أيار) ونوفمبر (تشرين الثاني)، سيضخ بايدن أكبر كمية على الإطلاق من الإمدادات الأميركية الطارئة في السوق منذ إنشاء المخزون عام 1975. وسيوفر ذلك، على أفضل التقديرات، راحة مؤقتة. ومع بدء الدول الآسيوية في التكيف مع عالم تبتعد فيه السفن التي تحمل الغاز الطبيعي المسال عن المحيط الهادي ويعاد توجيهها نحو أوروبا، فإن طلبها على الفحم آخذ في الارتفاع.
ويعني كل ذلك ارتفاع أسعار الطاقة للجميع، في كل مكان - ما لم تعد الاقتصادات إلى فترات الركود التي عانت منها أثناء الجائحة - خياراً لا يأمل فيه أحد.
وتبدو أوجه الشبه بين هذا الوضع والحال في السبعينات واضحة. كانت الصدمة النفطية التي وقعت في أعقاب حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، مزعجة للغاية على الصعيدين الاقتصادي والجيوسياسي. وأعقب هذه الصدمة الأولى في 1978 - 1979 ثورة في إيران والحرب العراقية - الإيرانية؛ ما دفع البلدين المنتجين للنفط داخل أتون حرب طويلة.
بعد ذلك، انهارت حقبة جيوسياسية، من أبرز سماتها وجود الولايات المتحدة كأكبر منتج للنفط في العالم، وكذلك وجود بريطانيا (عندما تسمح لها واشنطن بالتصرف) باعتبارها الضامن العسكري لمصالح الطاقة الغربية داخل الشرق الأوسط. ومع سيطرة الدول العربية على الإنتاج والأسعار، بدلاً عن الشركات الأنغلو ـ أميركية السبع الكبرى التي سيطرت على النفط في الشرق الأوسط على مدار عقود، أصيبت الاقتصادات الغربية بالركود تحت الضغط التضخمي والاحتجاجات الشديدة والإضرابات وعمليات إعادة الاصطفاف الانتخابية عبر ديمقراطيات غربية.
وعليه، يبدو القادم أكثر اضطراباً - وتحولاً في نهاية المطاف ـ عن أحداث السبعينات. في الواقع، يحمل القادم اضطراباً أكبر. خلال فترة الاضطرابات الجيوسياسية في السبعينات، لم تكن الإمدادات النفطية من احتياطيات العالم قط هي المشكلة على الإطلاق. الآن، مع وجود الطلب الآسيوي على الطاقة عند مستوى أعلى بكثير مما كان عليه، أصبحت الإمدادات النفطية لبّ المشكلة. وقد يتجاوز الطلب على الغاز الطبيعي والفحم كذلك الإنتاج العالمي خلال السنوات القليلة المقبلة.
انظر إلى منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط، على سبيل المثال. سيؤدي ابتعاد أوروبا عن روسيا إلى تكثيف التوترات الجيوسياسية حول الغاز الطبيعي في المنطقة. في شرق البحر المتوسط، تشعر تركيا بالاستياء بسبب استبعادها من مشروعات الطاقة وتبدي ميلاً أكبر للدخول في صراعات للتأكيد على مصالحها.
وعندما أبرمت تركيا اتفاقاً مع ليبيا في نوفمبر 2019 للمطالبة بحدود اقتصادية بحرية جديدة لنفسها في شرق البحر المتوسط، شجب قادة الاتحاد الأوروبي الاتفاقية باعتبارها انتهاكاً للسيادة اليونانية والقبرصية ولا تتوافق مع قانون الأمم المتحدة. الآن يتسبب مسار خط أنابيب لنقل غاز شرق البحر المتوسط إلى أوروبا في توترات، ليس فقط بين تركيا وجيرانها، وإنما كذلك داخل «الناتو».
على الجانب الآخر من البحر الأبيض المتوسط، تبدو الجزائر مصدراً محتملاً آخر للطاقة لأوروبا. إلا أن هذا الأمر لا يخلو من تعقيدات جيوسياسية: أعلنت شركة الطاقة الجزائرية المملوكة للدولة، «سوناطراك»، الشهر الماضي، أنها قد ترفع أسعار الغاز إلى إسبانيا بعد أن سحبت مدريد دعمها للجزائر في منتصف مارس فيما يخص الخلاف الطويل بين الجزائر والمغرب حول الصحراء الغربية.
يعني تراجع إمدادات الطاقة القادمة من روسيا أيضاً المزيد من المشكلات في الشرق الأوسط. من دون مساعدة روسية، يصبح اتفاق نووي إيراني آخر أقل احتمالية، حتى مع تعزيز حرب موسكو جميع حوافز بايدن لاستعادة صادرات إيران من الطاقة.
وبدلاً عن الانفصال عن روسيا، يبدو أن منتجي النفط العرب قد ضاعفوا اهتمامهم بـ«أوبك بلس»، كارتل النفط العالمي الجديد.
من خلال إدانة شركات النفط التي لا تكثف الإنتاج، قرر بايدن الميل لجانب الناخبين الحريصين بشدة على خفض الأسعار الفورية للطاقة، بدلا عن الديمقراطيين الذين يصرون على أن أزمة المناخ يجب أن تظل الأولوية.
داخل الاتحاد الأوروبي، دفعت حقيقة أن المستهلكين الأوروبيين يملأون خزائن حرب موسكو في أوكرانيا عدداً من القضايا الأخلاقية غير مستساغة نحو السطح. وفي هذا الإطار، سأل رئيس وزراء إيطاليا، ماريو دراغي، الإيطاليين «هل تفضلون السلام أم مكيف الهواء؟».


* أستاذة الاقتصاد السياسي بجامعة كمبردج
عن «نيويورك تايمز»