زوال إسرائيل هذا العام .. نبوءة، أم صدفة رقمية، أم تفكير بالتمني ؟

حجم الخط

بقلم : نصار يقين

ردا على مقال الكاتب هاني المصري:
زوال إسرائيل هذا العام .. نبوءة، أم صدفة رقمية، أم تفكير بالتمني ؟

في مقاله المنشور بجريدة "القدس" بتاريخ 26 نيسان 2022، يقول الكاتب المهذب هاني المصري انه تابع نبوءة الشيخ بسام جرار بزوال اسرائيل منذ سنوات، ولم تثره للتعقيب عليها، ولولا رد الشيخ جرار الأخير على ما سيقوله لمتابعيه إذا لم تتحق النبوءة لما كان هذا المقال من جهة الكاتب كما يقول.
لقد تابعت سطور هذا الكاتب الكبير، وكانت صدمتي كبيرة عندما قرأت في اول المقال وعلى ذمة الكاتب بأن الشيخ جرار كان مستعدا للتهرب من مسؤولية النبوءة، وإلى هذا الحد لم يكن لي رغبة في الرد على الكاتب أو الدخول معه في نقاش ينفع الحقيقة وينفع أمتنا وينفع ديننا، ولكن صدمتي في نهاية المقال كانت مذهلة ومستغربة كثيرا، لما حذر منه الكاتب من أن بعض المنظرين لهذه الرواية سوف يُصاب بالإحباط، وربما يصل البعض إلى الردة عن الإسلام والقرآن الذي تدعي النبوءة أنها استندت إليه .
لم يكن الكاتب مطلقا بحاجة إلى هذا التنذير والرعب من الارتداد عن اقدس مقدسين في حياة المسلمين "الإسلام والقرآن"، ولو وقف الكاتب عند الردة عن الإسلام لكانت مصيبة، ولكن التنذير والتخويف من الارتداد أيضا عن القرآن الكريم يضاعف الهول ويجعل من المصيبة اثنتين، مع ان الكاتب ذكر في سياق مقاله بأن نبوءات كثيرة وعلى مدى التاريخ جاءت من أمم واديان أخرى ولم تتحقق، وهذا لم يكن بمستغرب كما عنى الكاتب، وهنا نسأل الكاتب لماذا في الحالة الإسلامية لهذه النبوءة سيخرج بعض المسلمين من دينهم وقرآنهم إذا لم تتحقق النبوءة التي نظروا لها طويلا !!؟ أرى ذلك شيئا مرعبا من كاتب كبير يعلم جيدا بأن حالات الردة في الإسلام، ومنذ سحق الصديق أبو بكر ردة الأعراب وثبت العقيدة في النفوس لم تشكل اي خطر على هذا الدين الحنيف مطلقا، ولقد عاشت شعوب إسلامية كثيرة تحت احتلالات واستعمارات أجنبية عشرات وأحيانا مئات السنين دون أن يرتد منهم مخلوق واحد وحيد.
هنا اسجل عتبي الكبير على الكاتب هاني المصري، وأتساءل لماذا لم يتجه إلى أفكار أخرى تشحذ الهمم وتعري الاحتلال في كل عيوبه ونقاط ضعفه وتستفيد من انتشار النبوءة الواسع؟ ونقدها الإيجابي سوف يقدم زادا طيبا للمهتمين ومشوقا لقراءة أفكار الكاتب حيال النبوءة بانفعال صادق. أنا أوافق الكاتب على وجوب واقعية التقديرات والتنبؤات، وضرورة التشخيص الدقيق والتخطيط المعقول والفعل البناء، ولكن بدون التحامل على صاحب النبوءة في أكثر من موضع في المقال، مثل عبارات التهرب من المسؤولية ومحاولة التملص من عواقب عدم تحقق النبوءة.
وشيء آخر، وهو اعتبار الكاتب لبداية النبوءة بأنها نقطة ضعفها، وهذا يخالف التفكير السليم، لأن الشيخ بسام جرار لم يؤسس نبوءته على قول يهودية في العراق، صدقت أم كذبت، وإنما كان ذلك مجرد خبر أو إشاعة وصلته، ووجد فيها ما شده لبحث مستفيض بأدواته هو، في المجال الذي يؤمن به هو، والذي غرف منه معلوماته وأفكاره حتى وصل الى تلك القناعات التي صاغ منها هذه النبوءة.
أمر آخر، قد يكون للكاتب الحق في اتخاذ الموقف الذي يريده من حسابات جُمل الأعداد فيما يتعلق بالإعجاز العددي، ولكن من غير المقبول من أحد أن ينكر الجمال العددي، وما هو موجود منه في القرآن الكريم في مواضع كثيرة مثل سورة الحديد المباركة على سبيل المثال، وأيضا البناء العددي، وما للرقمين سبعة وتسعة عشر من حضور لافت ومبهر لكل قاريء متفكر متدبر لآيات الكتاب العزيز، وهنا لا مجال للتوسع في الحديث.
من جهة أخرى، استغربت حديث الكاتب عن قعود من آمن بهذه النبوءة وميلهم الى التواكل بدل العمل، وهم بالملايين كما يقول، ودلل على ذلك بعدم تحركهم" يقصد الى فعل نافع". ونقول ان هذا يجافي الحقيقة، و"هذه العبارة أيضا" يستعملها الكاتب في مقاله وربما في غير المناسب، دون ان نقول "بالمقلوب" كما قال هو. فمن يصدق مثل هذا القول ويتناسى بأن هذه النبوءة توقظ الإحساس وتزيد من الثقة بالنفس وتحمل اجمل بُشرى لكل من يعمل على تطهير بلاده من رجس الاحتلال وتشكل أقوى الحوافز لكل المخلصين في هذه الأمة. ثم إن زمن النبوءة لم ينقض بعد، حتى نصل الى القنوط من عدم تحققها في المستقبل القريب، والتحامل على الفكرة والمفكر الإسلامي الكبير صاحب النبوءة. وفوق ذلك فإن العالم القريب منا والبعيد، يمر باحداث يمكن ان تسقط النظام الدولي المجرم الذي أسس لدولة الاحتلال وقدم له الرعاية والحماية على مدى ثلاثة ارباع القرن، ومن المؤكد بأن قلب هذا النظام الدولي سوف يكون فيه قلب أشياء ثقيلة على رأس المحتل وتصفية كيانه. فهذا النظام الدولي، ولأجل بقائه يرتكز على مرابط منها الاحتلال الإسرائيلي وأنظمة عربية أخرى تلتزم بالهدنة مع اسرائيل وتحول دون احتكاك الشعوب العربية بالمحتل بقمعهم من قبل الجيوش النظامية، وهذا لن يبق على حاله أبد الآبدين كما تتوهم إسرائيل، وما تفعله من جرائم واستفزاز للأمة في اقدس ما تقدس في رحاب المسجد الأقصى الشريف. لا بد أن يدفع شرفاء وأحرار الأمة وضباط الجيوش العربية إلى فعل فجائي دون موافقة الزعماء والقادة، وليست بعيدة جدا عنا سيرة البطل الأزهري الشيخ عمر مكرم ، الذي طالب بالعدالة في مصر أولا وناضل ضد الضرائب التي كانت مفروضة على الفقراء، قبل ان يؤسس جيشا من أفراد الشعب موازيا للجيش النظامي ومتفوقا عليه، ثم يفرض على الجيش النظامي مؤازرته لطرد قوات القائد الإنجليزي من الحماد ورشيد. ذهب عمر مكرم الى الجامع الأزهر وطلب من الطلاب ترك الدروس الدينية والالتحاق بركب المجاهدين، وكان له ولطلابه الشرفاء دور عظيم في مقارعة الإنجليز والفرنسيين، ثم ضربهما ببعض في معركة ابي قير البحرية. وفي التاريخ القريب نجد النموذج العظيم في الشهيد البطل أحمد عبد العزيز، الذي استقال من الجيش النظامي الملكي المصري في حينه، وتنازل عن كل امتيازات الضباط، من أجل ان يتمكن من قيادة سرايا المجاهدين الى الحرب في فلسطين، وما فعله هذا البطل، يجب ان يفهمه كل عسكري عربي في جوار فلسطين، ويجب استحداث هذه السيرة العسكرية الفذة والتعلم منها وتقليدها. لقد وصل هذا البطل الى صور باهر في ضواحي القدس بعد اسبوع واحد على تحركه من القاهرة، ولم تقف في وجهه اي مستوطنة أو حامية عسكرية اسرائيلية من رفح حتى تخوم القدس، وكانت نيته الوصول الى القدس الغربية، ولم يخرب عليه إلا الانجليز والزعماء العرب في ذلك الوقت الذين كانت ارادتهم مرهونة وفي يد العدو البريطاني المنتدب على فلسطين.
في هذه الأثناء جاءت فضيحة اسرائيل أمام روسيا في الملعب الأوكراني، وليس من المستبعد ان توقف روسيا تنسيقها المفضوح مع إسرائيل في هجومها المتواصل على سورية واستهداف مراكز البحث والنخب في الجيش السوري، واكثر من ذلك فإن هزيمة الروس واستنزافهم في أوكرانيا وتدمير أوكرانيا ذات الرئيس اليهودي الصهيوني وحاشيته من اليهود، هو ايضا يشكل كارثة قاتلة على اسرائيل، ونجاح روسيا ومن ورائها الصين في فضح الدولار الأميركي بعد أن ظل يصول ويجول في هذا العالم بدون غطاء ذهبي لمدة خمسين سنة، فهذا يمكن أن يسقط العملة الأميركية بشكل مفاجيء أويرهقها كثيرا لتتبعها العملة الإسرائيلية ويسقط النظام النقدي للاحتلال الإسرائيلي كله، واهم من ذلك أنه ليس من المستبعد ابدا فتح الجبهة السورية، وفتح هذه الجبهة لا بد أن يكون له اثر صاعق على الجبهتين المصرية والأردنية، وربما اللبنانية .
ثم من يستبعد زحفا من قطاع غزة باتجاه عسقلان بسبب الفقر والظلم والحصار والرغبة في النصر والانتقام، وهذه عسقلان التي للمرابطين فيها شهادة من رسول الله عليه الصلاة والسلام بأن رباطهم هو خير رباط في هذه الدنيا، وحال اليوم هو خير دليل على صدق الحديث الشريف في حق غزة وعسقلان ودمياط التي كان لها أهمية بالغة في الحروب الصليبية كميناء مهم جدا للقوات البحرية للدولة الأيوبية.
على كل مخلص أن يبحث له عن دور في تحقيق النبوءة، ويمكن التعلم من تفسير الأحلام في تحقيق النبوءات، وهذا ليس له مجالا للبحث في هذا الرد، في النهاية آمل أن يشتد النقاش حول هذه النبوءة حتى تتحقق، مع جزيل الشكر للكاتب الكبير هاني المصري الذي اتاح لي هذا الرد.