الفلسفة الفتحاوية... الفكرة الحركية

حجم الخط

بقلم د. أحمد جميل عزم

 

 

 الذين يتساؤلون كيف يمكن أن يكون لدى أفراد في فتح مبادرات نضالية في وقت هناك بنية سياسية لا تتفق مع نسق وسياق المبادرات، ينسون أو لا يعرفون معنى الفكرة الحركية، أو ما هو التنظيم الحركي.

أذكر في التسعينيات، بالتزامن مع اتفاقيات أوسلو، وقبلها مؤتمر مدريد، وبعد استشهاد الشهداء الثلاثة في ليماسول (مروان، وأبو حمدي، وأبو حسن) (فبراير 1988)، ثم أبو جهاد (إبريل)، ثم أبو إياد وأبو الهول (1991)، ثم بدء المفاوضات، صار جدل كبير في شباب حركة فتح، والشباب هم في سن العشرينيات.. ما العمل؟

كان هناك ثلاث استخلاصات:

- المقاومة تزرع والسياسة تحصد.. وبالتالي المقاومة اسناد للسياسة.

- مبدأ ثاني كان يردده أفراد في العمل الشبابي الفتحاوي (كل واحد ملك ساحته).. أي أن كل شخص يبادر من جهته.

- ثالثاً "فلتتفتح في بستان الثورة ألف زهرة".

المبدأ الأول كان يردده قادة فتح خصوصاً هاني الحسن، الثاني، كان شائع بين الكوادر، الثالث جملة قالها ياسر عرفات في خطاب له. وأذكر أني كنت في مناسبة وطنية في أحد مخيمات اللاجئين في الشتات، عندما جاءني قيادي طلابي من الجامعات يقول لي هل سمعت ماذا قال أبو عمار "فلتتفتح في بستان الثورة ألف زهرة"...وأضاف  نحن يجب أن نقرر ماذا يجب أن نفعل.. فأن تتفتح الف زهرة، تعني لا يوجد قرار مركزي بالفعل بل توجيه عام..

وفي مرة قال لي أحد الأسرى لمحررين من كتائب شهداء الأقصى، "أخدنا التعليمات من أبو عمار".. في الواقع فوجئت بالعبارة، قلت كيف؟ قال ألم يقل "عالقدس رايحين شهداء في الملايين"؟

عندما نفذ ثائر حمّاد عمليته (عيون الحرامية 2002) وأوقع 11 جندي اسرائيلي.. كان يتبع توصيات مران برغوثي بأن يتركز الاستهداف على جنود الاحتلال على الحواجز.. مع أن ثائر لم ينضم لفتح فعليا الا في المعتقل بعد العملية..

فكرة فتح منذ وضعها الحركيون الأوائل: خليل الوزير، وكمال عدوان، وياسر عرفات وآخرون لا تتضمن تنظيم مركزي أو محكم أوتعليمات أو قرارات.. بل إيجاد التيار العام للفكرة مع هامش مبادرة واسع للفرد والموقع..

الآن رغم الوضع السياسي، فلا بد من التوقف عند حقيقة قد يراها البعض خيالية، أو خيال علمي، لكنها ليست كذلك، وهي أنّ المقاومة والثورة أصبحت أولاً، في جينات الهوية الوطنية، وثانياً، هناك واقع موضوعي اسمه الاحتلال واللجوء..

وجينات الهوية الوطنية هي إرث نضالي متوارث عبر قصص وروايات وأحداث عاشها أجيال من الناس (ثلاثة أجيال على الأقل)، فمثلا روايات ثورة 65 أوصلت إلى جيل انتفاضة 87، وانتفاضة 87 أوصلت الى انتفاضة 2000 وهذه توصل الى هبة 2015/ 2016 وإلى الموجة الراهنة.. قصص الآباء، والأعمام، والأخوال، والجيران، وأغاني العاشقين، وجورج قرمز، وشعرمحمود درويش، وغيرها كلها أصبحت جزء من الجينات الكامنة والمتحفزة والمتنحية في الهوية الوطنية.. هذه أوجدت العقل الجمعي وهو أساسي في تشكيل الهوية..

أما الواقع الموضوعي للاحتلال فهوالضغط اليومي الذي يعيشه الناس، ومحاولات العالم طمس القضية...

هذا برأيي يفسر تجدد المبادرات..