هآرتس : هل ستؤثر “لاهاي” على سلوك إسرائيل في حربها المحتملة على غزة؟

حجم الخط

هآرتس – بقلم: مايا شتاينيتس

 

تشكلت محكمة الجنايات الدولية في لاهاي عام 2002 بعد نشوء محاكم خاصة تلاحق مرتكبي جرائم الحرب وسلسلة الانتهاكات ضد حقوق الإنسان، وكانت التتمة كتأثير دومينو سريع؛ فما بدأ كفكرة أكاديمية تشبه الخيال (ولاية قضائية عالمية)، دخل إلى الاستخدام الروتيني، وسرعان ما تحول إلى تهديد يومي لكبار شخصيات دولة إسرائيل والجيش الإسرائيلي، الذين كانت لهم علاقة بقرارات عسكرية. دورون الموج، وآفي ديختر، وحتى تسيبي لفني، مروراً بصعوبات بشأن زيارتهم لبريطانيا على خلفية الخوف من أوامر اعتقال خاصة. كشف عاموس يارون في 2003 بأنه قد يقدم للمحاكمة في بلجيكا لأنه كان قائد قوات الجيش الإسرائيلي في قطاع بيروت أثناء مذبحة صبرا وشاتيلا. وفحصت إسبانيا في 2009 تقديم رئيس الأركان السابق دان حلوتس للمحاكمة. لم تنجح أي خطوة من هذه الخطوات، لكنها وضعت عقبات أمام هؤلاء الأشخاص والدولة.

مؤخراً، تواجه إسرائيل “تحقيق محكمة الجنايات الدولية بشأن فلسطين”، الذي بدأ في 2019 وتركز على عملية “الجرف الصامد” وعلى إطلاق النار على متظاهرين في “مسيرات العودة”، وعلى البناء في المستوطنات. هذا التطور كان مفاجئاً، وإسرائيل ليست عضوة في المحكمة، لكن الأمم المتحدة في 2012 اعترفت بالسلطة الفلسطينية كدولة مراقبة، وهكذا فتحت الطريق لولاية قضائية للمحكمة ضد مواطنين إسرائيليين. مهما كانت نتائج هذا التحقيق، فلا شك أن تطور القضاء الدولي الجنائي الذي بدأ بتجديد قضائي أوروبي، أصبح ذا تأثير حقيقي على سلوك إسرائيل، سواء على المستوى الفردي في ساحة الحرب، أو على مستوى الحكومة في رسم السياسة.

العقوبات الاقتصادية على روسيا، وعلى أشخاص معينين كزعماء أوليغاركيين، وعلى انتقال رؤوس الأموال، وعلى التجارة والحركة مع روسيا، كل ذلك تمت تغطيته بتوسع، وهي تطوير كبير متعدد الأذرع ومتعدد العقوبات لصيغ أرق وأكثر محدودية، التي فُرضت بالفعل في جميع أنواع السياقات على دول مثل سوريا وليبيا وكوريا الشمالية وروسيا وإيران، وبالطبع على نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، الذي هناك من يعتقدون بأن العقوبات الدولية هي التي أدت إلى نهايته (من هنا أيضاً مصدر الإلهام لحركة بي.دي.اس ضد إسرائيل).

دون الدخول في التفاصيل، يمكن أن نجمل بأن العقوبات الاقتصادية اعتبرت حتى فترة قصيرة، أداة مختلفاً عليها من ناحية أخلاقية بسبب تأثيرها على مجمل السكان المدنيين، ولأن إمكانية نجاحها تعد جزئية على أبعد تقدير. ولكن الحرب في أوروبا تغير كلياً، سواء الرؤية فيما يتعلق بالنطاق الممكن للعقوبات، وفيما يتعلق بالنجاعة القاطعة لها (حتى الآن يبدو أنها، ليس جيش أوكرانيا، هي العامل الذي يمكنه أن يهزم روسيا)، وفيما يتعلق بـ “العلاقات العامة” لكونها أداة أخلاقية وحتى ضرورية. ربما أن السويفت المغلق (الحاجز البنكي – المالي) سيكون هو المفتاح الذي سيغير قواعد اللعب ويزيل فقر الدم المعروف للعقوبات الاقتصادية.

يجب على إسرائيل أن تستعد لذلك. ففي المرة المقبلة التي ستهب فيها رياح حرب بين إسرائيل وغزة، ثمة عامل آخر في المعادلة سيشكل ضغطاً شديداً جداً على أوروبا وعلى الولايات المتحدة لفرض عقوبات اقتصادية على إسرائيل تشبه العقوبات المفروضة الآن على روسيا. والثمن الذي ستدفعه بسبب استخدام هذه العقوبات سيكون أقل بما لا يقارن بالثمن الذي تدفعه الآن إزاء روسيا، التي تقف على خزان الطاقة الذي تحتاجه القارة الأوروبية وتعتبر [روسيا] الاقتصادي الـ 11 من حيث الحجم في العالم. إذا كان نفتالي بينيت يعتقد، قبل كونه رئيساً للحكومة، بأن “الجنود يخافون من النيابة العامة أكثر من السنوار” (تشرين الثاني 2019)، يجدر به أن تضيء إشارة التحذير من الآن. إسرائيل تغص بالتحديات الأمنية وتقع في منطقة غير بسيطة. ولكن حماية مواطنيها وخلال ذلك أيضاً احترام قواعد القضاء الدولي، يقتضيها الواقع ولكل الأسباب، وأكثر من أي وقت مضى.