التصعيد الفلسطيني: قراءة من فيينا وليس من غزة والقدس

حجم الخط

بقلم محمد مشارقة

 

 

للأسف يخوض الفلسطينيون جدلا عقيما حول خطاب زعيم حماس القوي في غزة يحيى السنوار ، ويختلفون حول جدوى الرسائل التي وجهها والتي تفترق في بعض مفاصلها عن المراجعات التي جرت في السنوات الخارجية على برنامج حماس ، سواء فيما يتصل بالعمليات الخارجية او في اعتماد لغة دبلوماسية لا  تفضي الى مسار مغلق يحسبها فقط على المحور الإيراني . 

ربما من المفيد قراءة المشهد من الخارج وكيف لا تفسر التضحيات الفلسطينية وسرعة تبني العمليات الفردية واستخدامها في الاعيب السياسة والمصالح الخارجية للحلفاء. فالتصعيد الفلسطيني الذي سبق شهر رمضان المبارك، أدرج في القراءة الغربية والإقليمية باعتباره أدوات ضغط ورسائل إيرانية ردا على تعثر المفاوضات حول المفاعلات النووية في فيينا والتي وصلت الى طريق مسدود. فالعقدة الأساسية كما اشارت المصادر الإيرانية هي الحرس الثوري وفيلق القدس، الذراع الخارجي للقوة والنفوذ والتوسع الايراني. إذ تصر طهران على ازالته من قوائم الإرهاب كشرط لتوقيع المسودة الجاهزة للاتفاق. في حين تصر واشنطن الحصول على تعهد بعدم استهداف مواطنيها في أي بقعة من العالم كشرط لمناقشة وضعية الحرس والفيلق.

تراهن طهران على ان ازمة الطاقة والعقوبات التي فرضت على روسيا، ستجبر الولايات المتحدة على توقيع الاتفاق بالشروط الإيرانية، وحتى ذلك الحين حركت إيران ادواتها في المنطقة، لرفع منسوب التهديدات للمصالح الامريكية وركائزها في المنطقة. 

- في التقييم الإسرائيلي والدولي، أدرجت العمليات في النقب وتل ابيب والخضيرة، والعمليات التي استهدفت مستوطنين ومستوطنات في إطار الرد الإيراني على التصلب الأمريكي في فيينا، وانها رسائل للعرب في اجتماعي شرم الشيخ والنقب، وفي ذات الاطار يندرج التصعيد اللفظي والعسكري لحلفاء ايران في لبنان وفلسطين واليمن. والقذائف الصاروخية التي انطلقت من غزة نحو إسرائيل وأخرى استهدفت محطات تحلية مياه في الشمال الغربي للسعودية.

- حرص طهران على الترويج والدعاية الرسمية للقاءات رئيس مجلس الامن القومي الإيراني على شمخاني بالقيادي الحمساوي خليل الحيّة في طهران، وبعده زعيم حركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة 

- وفي ذات الإطار وضع خطاب السنوار في غزة قبل أيام، كان يمكن ان يمر الخطاب في إطار التعبئة والحشد والتأكيد على الابعاد الوطنية لمعركة المسجد الأقصى في مواجهة حملة اليمين الديني والقومي الإسرائيلي في القدس. لكن أبو إبراهيم السنوار اختار متعمدا وليس خروجا عن النص او زلة لسان كما اعتقد البعض وانا منهم. بل اعتبر تسديد فواتير مطلوبة في معركة إيران الخاصة في فيينا. فقد أكد الرجل انه وكل ما يملك من عتاد وقوة في غزة هو جزء من "حلف المقاومة" الذي تقوده ايران، كما انه تحدث عن معركة دينية فتحها المتطرفون الإسرائيليون قد تصل الى استهداف الكنس والمعابد اليهودية في العالم، وهي تذكير واشارة واضحة الى عمليات من هذا النوع اتهمت بتنفيذها مجموعات من حزب الله او مدعومة من ايران في اكثر من دولة في العالم.

         المسؤولية السياسية التي يتمتع بها بعض قادة حماس وعلى راسهم السنوار الذي تقدم الصفوف كقائد حريص على التفاهم والتعاون مع كل القوى الوطنية، تقتضي الانتباه الى ان القضية الوطنية التي عادت تحت الضوء بفعل نضالات شعب يقدم التضحيات اليومية من اجل التحرر والكرامة، يجري تبديده اليوم بحسابات وخسارات محتملة في غير موقعها وزمانها. وكأن الفلسطيني يعود لتجريب المجرب، بعد ان تعلمت الثورة الفلسطينية المعاصرة بقيادة زعيمها الراحل عرفات من اخطائها وباتت دبلوماسيتها في التعامل مع المحاور المتصارعة في المنطقة مدرسة في السياسة والدبلوماسية.  سياسة الارتهان للمحاور والمراهنة عليها في معركة التحرر عودة للوراء، ولنا في التجربة القريبة ورهان بعضنا على حلف استراتيجي مع تركيا، التي انقلبت على كل ادواتها من الاخوان المسلمين بما في ذلك التضييق على حركة حماس وابعاد بعض قادتها من أراضيها، مرجحة بذلك مصالحها التجارية والمالية مع العالم العربي على رؤية حزبها الإسلامي الحاكم. وهو الامر الذي ينسحب على ايران وكل استثمارها فيما يسمى" حركات المقاومة"، والتي ينظر اليها باعتبارها أدوات للدفاع عن امنها القومي ومصالحها وتعزيز قوتها اقتصاديا وعسكريا والتفاوضية مع الغرب، وليس في حسابها لا افلاس لبنان وخرابه ولا دمار اليمن وسوريا ولا العراق ولا حتى غزة.