لقاء السيسي وصباحي: هل تغيّرت المعارضة المصرية؟

حجم الخط

بقلم محمد صلاح

يحتاج الحديث عن قوى المعارضة السياسية في مصر إلى قدر من الصراحة وكثير من الوضوح. بالطبع لا يحظى حُكم في أي دولة في العالم بتأييد مطلق من أبناء تلك الدولة، ولا إجماع على القبول به، وتتسع أو تضيق دائرة المعارضة بحسب سياسات الحكم ومدى تعبيرها عن رغبات الشعب وأمنياته وطموحاته، كما أن مظاهر الاعتراض تتوقف على القبضة الأمنية التي يتعامل بها الحكم مع الشعب، ودرجات الضجر أو الضيق والغضب التي قد تصل بالشعب إلى حد الانفجار.

 

على ذلك، من الطبيعي وجود معارضين للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، رغم الشعبية الجارفة التي حظي بها منذ ظهر على المسرح السياسي المصري، محققاً رغبات شعبه في إطاحة حكم "الإخوان"، واستعادة الدولة المصرية بحدودها وثقلها ومكانها ومكوناتها الحضارية والفكرية.

 

الحديث عن المعارضة السياسية في مصر لا ينصبّ على "الإخوان" وحلفائهم من الجماعات الأصولية الراديكالية، فتلك جماعات تعارض أي حاكم لا ينتمي لها، وهي لا تطرح رؤىً سياسية بديلة، أو تنتقد سياسات الحاكم أو تفندها، أو تكشف أخطاء الحكام، بل تتحول بحكم أفكارها وولاء أعضائها إلى معارضة المجتمع كله، إذا ما كانت غالبية أبنائه من مؤيدي الحكم أو من الساكتين عليه، ولأنها تستخدم الدين ستاراً لرغباتها، فإن آلياتها في المعارضة تتخطى أدوات السياسة إلى أدوات الرعب والتفجير والتفخيخ والقتل.

 

ينقسم المصريون إلى فئات عمرية واجتماعية وثقافية وتعليمية وحضارية، تأثرت بما مر من حوادث وحروب ومحن وانتصارات وانكسارات، فصقلت وزادت من قدرتهم على التحمل والجَلَد والصبر، ورسّخت من عوامل بقائهم وصمودهم ومواجهتهم للمخاطر. حافظ الشعب المصري على الحد الأدنى من التماسك والوحدة والتجانس، برغم ما عاناه طوال عقود من مؤامرات خارجية ودسائس داخلية وانتهازية من النخبة السياسية، وتدنٍ في مستويات المعيشة والخدمات، وفساد تحول إلى ثقافة يومية وأسلوب معيشة، لكن في كل مواجهة أو محنة نجح في الاختبار، واستثمر تاريخه وارتباطه بأرضه ومكانته، وتولّدت دائماً لديه العزيمة ليخرج منتصراً حتى ولو جريحاً!

 

رغم كثرة التحديات الخطيرة التي لحقت بالشعب المصري على مدى عقود، يأتي ما جرى في 25 كانون الثاني (يناير) 2011 أكبرها، أو قل أخطرها، ليس فقط لأن "الإخوان" قفزوا بعدها على السلطة، وعاشت البلاد تجربة مريرة، ولكن لأنها أبرزت سلبيات الشعب المصري على السطح بعدما ظلت مخفية خلف ستار التحديات الخارجية أو المعاناة الداخلية.

 

وليس سراً أن غالبية الأطراف الفاعلة في التحول السياسي خلعت عن نفسها حجاب الحياء والخجل، بل إن بعضها صار يفتخر بممارسته "قلة الأدب"، إذ اختلفت المعايير بعدما كانت الأعراض قد طفت على السطح عبر تصرفات بعض المنتسبين إلى النخبة السياسية والإعلامية، لكن المعايير المزدوجة والتقديرات النسبية لكل تصرف مسيء أو خارج عن الأخلاق كان يُفسّر بحسب الزاوية التي ينظر منها كل طرف إلى الموقف المخجل. المعايير المزدوجة هي التي جعلت بعضهم يصمتون وغيرهم يشيدون بشتائم الثوار ضد رموز عصر مبارك سابقاً والسيسي الآن، من دون أن يتعففوا عن لغة السباب والألفاظ الخارجة، ولم يعتبروها خروجاً عن الأخلاق بل موقفاً وطنياً.

 

نعم الأمر يتعلق بكل ألوان الطيف السياسي المعارض في مصر من دون "الإخوان"، أي ما يطلق عليه النخبة السياسية أو رموزها، ليبراليين كانوا أو اشتراكيين أو يساريين، ناصريين كانوا أو إسلاميين من غير "الإخوان"، ناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي أو مناضلي الفضائيات، حزبيين كانوا أو مستقلين لا يعجبهم حزب أو يروق لهم تنظيم سياسي. اللافت هنا، أن أصحابنا يطالبون دائماً بالتغيير رغم أنهم لم يغيروا أو يتغيروا، ويمارسون الاغتيال المعنوي ضد كل شخص رشح أو أسند إليه منصب عام في الدولة استناداً إلى ماضيه، على رغم أن السيرة الذاتية لغالبيتهم لا تخلو من مآخذ أو تقلبات أو انحرافات. انظر إلى خريطة القوى السياسية المصرية فستجد غالبية مكوناتها هم أنفسهم رموز المعارضة ضمن نظام حسني مبارك، أما الجدد منهم ممن ظهروا ونشأوا وترعرعوا مع 25 كانون الثاني (يناير) 2011 وبعدها، فانقسموا ما بين مؤيد لـ"الإخوان" أو متعاطف معهم وبين معارض لهم، وبين داعم للسيسي أو كاره له، وبين نجم في الفضائيات أو نادبٍ لحظه المتعثر بعدما فقد الفرصة لنيل منصب تنفيذي أو برنامج تلفزيوني!

 

ظلت المعارضة طوال عهد مبارك تشكو التهميش والمطاردة والملاحقة والتضييق وربما السجن، وعلى مدى أكثر من خمس سنوات بعد "25 يناير" 2011، ظلت الساحة خاوية والأمن مشغولاً والدولة مرتبكة. وانشغل المعارضون القدامى والجدد إما بموالاة "الإخوان" أو السلطة، أو معاداة طرف منهما أو كليهما، من دون عمل حقيقي في الشارع.

 

قبل أيام التقى السيسي المرشح السابق للانتخابات الرئاسية، الناصري الهوية، السيد حمدين صباحي، وجاءت الخطوة لافتة رغم أن اللقاء جرى على هامش حفل إفطار، خصوصاً بعد ما أعقبها من إطلاق بعض السجناء من الناشطين، وسط أجواء تشير إلى حوار بين القوى السياسية دعا له الرئيس المصري، فهل تغير صباحي والمنتسبون له بعد فترة الخصومة مع الحكم؟ أم أنهم يسيرون في الطريق نفسه الذي ساروا فيه من قبل، وسيستخدمون الآليات نفسها التي استخدموها سابقاً وسيرفعون الشعارات ذاتها التي لم يملوا من رفعها ثم يأملون في نتائج مختلفة عن نتائجهم السابقة؟

 

تعاني المعارضة المصرية والنخبة السياسية أمراضاً مزمنة تحتاج إلى جراحات عاجلة أو علاج طويل الأمد، لكن لا بد أولاً من أن يدرك المريض حالته، وأن يعرف أن عليه السير في مسارات أخرى غير تلك التي قضى فيها حياته. وأن المواهب في ابتكار أساليب النقد والهجوم على الحكم ليست وحدها تؤدي إلى كسب تأييد الناس، وأن المطلوب منها أيضاً طرح برامج لحل المشكلات التي يعانيها الشعب أو أساليب متطورة للقضاء على المعضلات والتعامل مع الأزمات.