هارتس : دولـة يـهـوديـة ثـنـائـيـة الـقـومـيـة!!

هارتس.jpg
حجم الخط

بقلم: براك مدينا

 

 



اليوبيل الماسي (75) لخطة التقسيم، الذي سيتم الاحتفال به في هذه السنة هو مناسبة لإعادة فحص هوية إسرائيل كدولة يهودية. مرّ احد جوانب الصهيونية، وفي الأصل يهودية الدولة، بتغيرات واضحة على مر السنين. في العقود الأولى لوجودها تضمنت خاصية إسرائيل كدولة يهودية تفضيلاً لمصالح اليهود على مصالح العرب. هكذا كانت الحال في تخصيص ميزانيات عامة وإنشاء بلدات مخصصة لاستيطان اليهود فقط وغيرها.
بالتدريج ازداد الاعتراف بأن ميزة إسرائيل كدولة يهودية لا تبرر التمييز ضد المواطنين العرب. ورغم أن هذا كان تطوراً متأخراً قليلاً إلا أنه اصبح مفهوماً ضمناً. صحيح أن الوضع الفعلي بعيد عن أن يكون مرضياً، فالتمييز ما زال منتشراً/ ورد الحكومة على ذلك ليس كالمطلوب. ولكن على الأقل من ناحية قانونية رسمية تبلور اتفاق على أن هوية إسرائيل كدولة يهودية لا تبرر تفضيل مواطنيها اليهود على المواطنين العرب. هذه الخطوة مباركة، ويجب علينا الأمل بأن تزداد. ولكن أنا أريد القول بأنه حان الوقت لاتخاذ خطوة اخرى نحو المساواة.
كان هناك هدف مهم للحركة الصهيونية هو تجسيد الجوانب المرتبطة بكون اليهود مجموعة قومية – ثقافية. يهودية إسرائيل تنعكس بصورة فيها الفضاء العام غني بخصائص الثقافة اليهودية: حياة اليهود تجري بالعبرية، اللغة الأولى لمعظمهم، أيام الإجازات العامة هي ايام السبت والأعياد اليهودية ورموز الدولة هي يهودية. هذا مجال استمر فيه اضطهاد المواطنين العرب. وقد اعطي للثقافة العربية – الفلسطينية مكان فقط في الفضاء المحلي، وليس له تقريباً انعكاس في الفضاء الجماهيري العام. أنا اعتقد أنه لا توجد حاجة لمواصلة التمسك بهذا الجانب من يهودية الدولة.
صحيح أن الدولة لا يمكنها تبني مقاربة محايدة في كل ما يتعلق بتشكيل الفضاء العام، هذا سيمس احد الاسباب الاساسية لاقامة دولة يهودية، وهو ايضا غير عملي. ولكن ليس هكذا تعزيز مكانة الثقافة العربية – الفلسطينية في الفضاء الجماهيري العام. في المرحلة الاولى يمكن التنازل عن الحصرية والاكتفاء بالهيمنة للثقافة اليهودية، على سبيل المثال، الاعتراف بأحد الاعياد الاسلامية كيوم اجازة عام. ولكن على الاقل من الناحية المثالية يجب أن يكون الهدف هو المساواة. فإلى جانب اطار ثنائية اللغة، تحديد ايام الاجازة في اعياد المسلمين والمسيحيين، اعطاء تعبير في رموز الدولة ايضا لثقافة الاقلية وما شابه، التمييز بين حقوق شخصية التي فيها يسري واجب المساواة وبين حقوق جماعية، هو تمييز متملص وغير مبرر.
الجمهور العربي، الذي تعتبر هذه البلاد وطنه ايضاً، من حقه أن يكون له علاقة بثقافته مثل الجمهور اليهودي. الرد المقبول الذي بحسبه تجسيد حقوق جماعية يمكن تحقيقه فقط في الدولة الفلسطينية، في حالة اقامتها، هو رد غير كاف. معناه هو أن مواطنة عربية، التي تختار مواصلة العيش في وطنها، أي في إسرائيل، غير متساوية في الحقوق مع صديقتها الإسرائيلية. ستحتاج هذه الخطوة ثمناً معيناً من الجمهور اليهودي، لكنه ليس ثمناً كافياً ليبرر استمرار التمييز. مجرد وجود اغلبية يهودية يخلق ازدهاراً للثقافة اليهودية في الفضاء العام، وإعطاء وزن للثقافة العربية لا يتوقع أن يعرض لخطر حقيقي مكانة الثقافة اليهودية.
          من ناحية عملية، الانتقال الى ثنائية القومية للفضاء العام يتوقع أن يكون معقداً. ثنائية لغوية كاملة ستجبر اليهود على تعلم اللغة العربية، وبلورة رموز مشتركة الى ابداع. ولكن الخلافات في مجال تشكيل الفضاء العام ووضع مناهج تعليمية في المدارس وتحديد ايام الذكرى، كلها قابلة للحل. الحاجة الى تنازل بدلا من حسم يقوم على قوة الاغلبية هي مهمة لزرع التسامح والدفع قدما بالتعددية.
تبني المقاربة المقترحة هنا لا يعني تنازلاً عن وجود إسرائيل كدولة يهودية. المبرر الامني الذي يقف في مركز خطة التقسيم ما زال ساري المفعول. في الواقع القائم هناك خوف حقيقي في أوساط معظم الجمهور الإسرائيلي من فقدان الأغلبية اليهودية في أوساط مواطنين الدولة. عدم ثقة عميق لمعظم الجمهور اليهودي بالفلسطينيين، بالأساس من يعيشون في المناطق، سواء أكان مبرراً أم لا، هو حقيقة قائمة، واعادة فحص مميزات هوية إسرائيل يجب أن تأخذ ذلك في الحسبان. المعنى هنا مزدوج. فعلى المدى المنظور من غير المستبعد الحفاظ على العامل الأساسي لخطة التقسيم، الذي موضوعه قيام دولتين، في كل منهما أغلبية لأحد الشعبين. من اجل الحفاظ على هذه الأغلبية من المبرر مواصلة تفضيل اليهود في سياسة الهجرة الى إسرائيل عن طريق قانون العودة، ومنع عودة أحفاد اللاجئين الفلسطينيين (هذا يخضع للاعتراف بلم شمل العائلات الذي لا يعرض للخطر الأغلبية اليهودية).
هذا مس بالمساواة يمكن تبريره لأن خطورته محدودة، وبالأساس لأنه كما يبدو حيوي لمنع سفك الدماء بشكل اكبر مما هو الآن. من ناحية اخرى علينا الاعتراف بحقيقة أن هذا الجانب ايضا لسياسة الهجرة غير المتساوية بحاجة الى تعديل على المدى البعيد. لذلك، هناك حاجة الى اتخاذ خطوات فعالة لزيادة شعور الانتماء لدى المواطنين العرب للمجتمع الإسرائيلي والى تعزيز الثقة المتبادلة بين المجتمعين (الى جانب السعي الى تجسيد الجزء الثاني من خطة التقسيم – اقامة الدولة الفلسطينية).
السياسة المقترحة هنا، تحديد هدف لتعزيز دور الثقافة العربية الفلسطينية في الفضاء العام، هي حيوية من أجل الدفع قدما بالثقة المتبادلة بين التجمعين. هذه الثقة حيوية جداً للتعايش وتقليص ظواهر خبيثة للتمييز في الفحص الأمني والتشغيل والسكن. هذه الخطوة حيوية أيضاً بالتأكيد من اجل الحفاظ على طابع إسرائيل كدولة يهودية. التسويغ الدولي لوجود إسرائيل كدولة يهودية آخذ في الضعف بسبب الشكوك حول المبررات الأخلاقية التي لديها. الحفاظ على أغلبية يهودية في الدولة هو وجهة نظر يمكن تبريرها، لكن التمسك بحصرية الثقافة اليهودية في الفضاء العام لا يتساوق مع التزام إسرائيل بالمبدأ الأساسي للديمقراطية وهو التعامل مع جميع المواطنين بمساواة.

عن "هآرتس"