في استنتاجات “المُقدّر القومي الإسرائيلي” حيال إيران

انطوان-شلحت.jpeg
حجم الخط

بقلم أنطوان شلحت

 

يحظى قسم الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية بمكانة “مُقدّر قومي”، إلى جانب كونه شبه محتكر لتفسير الواقع، من منظور الرؤية الأمنية طبعًا. وفي هذا الشأن تحديدًا، كانت لهذا القسم في الماضي صولات وجولات، أثبتت، بغض النظر عن وقائعها وأعطالها، أن له القول الفصل، وأن علاقة التقاطع بين المؤسستين السياسية والأمنية في إسرائيل علاقة هيمنة لهذه الأخيرة على الأولى.

وعلى أعتاب إحياء إسرائيل ذكرى إقامتها الـ74 غدًا، جاءت الجولة الجديدة الدورية للقسم المذكور، التي تزامنت مع مستجداتٍ إقليمية وعالمية كثيرة، على غرار الحرب في أوكرانيا، وعمليات المقاومة الفلسطينية، ومفاوضات فيينا في عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي الإيراني، وجديد التطورات في سورية ولبنان، فضلًا عن العلاقات مع مصر وتركيا والأردن، ومستقبل “اتفاقيات أبراهام” التطبيعية مع دول عربية، إلخ.

بموجب توقعات “المُقدّر القومي الإسرائيلي” في ما يخصّ مفاوضات فيينا، فبالرغم من محاولات إسرائيل للدفع إلى عدم إعادة إحياء الاتفاق النووي مع طهران، فإن هذه الإعادة باتت شبه حتمية ومسألة وقت ليس أكثر. ووفقاً لما يؤكّده، أُجِّل توقيع الاتفاق النووي الجديد لأسباب سياسية، ذلك أن الأغلبية العظمى من القضايا حُلّت، وما يؤجّل التوقيع، موضوع العقوبات، وهناك حاجة إلى تنازلاتٍ من كلا الطرفين يعتقد أنه سيُصار إلى حلّها في نهاية المطاف.

ولعل أبرز ما يهمّ إسرائيل في هذا الشأن، كيفية تأثير هذه الإعادة بجوهر ما تصفه بأنه الخطر الإيراني المتمثل بامتلاك سلاح نووي من جهة، وفي اتساع نفوذ نظام الملالي في منطقة الشرق الأوسط، ولا سيما في ما باتت تعرف بدول الطوق الأول بالنسبة إلى إسرائيل، من جهة أخرى.

ما نطالعه من هذه التوقعات أن استخبارات إسرائيل تعتقد أن إعادة إحياء الاتفاق النووي ستشكل قيدًا على تسريع وتيرة اندفاع إيران نحو امتلاك أسلحة نووية، لأنها بحاجة لأن تحصد ثمار الاتفاق في ما يرتبط بمسألة رفع العقوبات.

وهذا القيد يخدم مصلحة إسرائيل، لا أقل من أطراف أخرى. كذلك إن “المقدّر القومي الإسرائيلي” يعتقد أن الاتفاق سيؤدي إلى الاعتدال، لأن الإيرانيين سيريدون استثمار الأرباح المرهونة به. بالتوازي مع ذلك، تشدّد التوقعات على أن إيران لن تتخلّى عن برنامجها النووي، ما يعني أن على إسرائيل أن تبقى في طليعة القوى التي تتصدّى لهذا البرنامج، من خلال الإجراءات الاستباقية أو الجهوزية للمواجهة في حال التزوّد بالسلاح النووي في المستقبل. وبحسب ما قال حرفيًّا: ينبغي ردع إيران، وفي الوقت عينه يجب “أن تكون لدينا القدرة على العمل ضدها عسكريًا”.

لعل ما يمكن استنتاجه من هذه التقييمات الجديدة، أن اختبار الاتفاق بين الدول العظمى وإيران، في حال توقيعه، سيجري وفقًا لنتائجه وما ستطبقه إيران في الفترة المقبلة. وما ينبغي أن نعيد التذكير به، أنه على الرغم من أن إيران تبدو، في الخطاب الإسرائيلي الرسمي، بمنزلة العدو الأول لإسرائيل في منطقة الشرق الأوسط، والأكثر خطورةً بسبب برنامجها النووي، وهي سيرورة صارت إلى تعمّق أكثر فأكثر إبان ولايات حكومات نتنياهو المتعاقبة، فإنه حتى بعد توقيع الاتفاق السابق، الذي عارضه نتنياهو بكل حزم، ظهرت أصواتٌ استخباراتيةٌ مناقضة لتلك المعارضة، تبنت تقديراتٍ تؤكد أن إيران لن تخرقه في الشهور القريبة، كي لا تضر بتخفيف العقوبات عليها. ولذلك، سيُجمَّد البرنامج النووي.

كذلك تحيل التقييمات إلى أن إسرائيل ستستمر في ما تسميه “ردع طهران”، إلى جانب تجهيز نفسها للعمل ضدها عسكريّاً، مع ضرورة استعادة أنه سبق لإسرائيل أن فحصت إمكان شنّ هجوم على إيران، لكنها تراجعت دائماً بسبب عدّة عوامل، في مقدمها احتمال حدوث شرخٍ مع واشنطن، والخوف من عدم جدواه الأكيدة، والتحسّب من أن يؤدّي إلى حرب صواريخ تحمل طاقة تدميرية كبيرة.