لماذا ترغب اسرائيل في الدفع نحو تأطير الصراع دينيا؟ ‏

fd6b2fc11147ca6ec17d64e1808271b0.jpg
حجم الخط

بقلم : د. أماني القرم


إنّ حالة تضخم القوة التي تعيشها اسرائيل وتنفثها سمًّا وعدواناً على الفلسطينيين من خلال جرأة غير ‏مسبوقة في ارتفاع منسوب عنف الاعتداءات على المسجد الاقصى والمقدسات الدينية والمصلّين، الغرض ‏منها توصيل رسالة استخفاف واستفزاز لمشاعر وكرامة الطرف الفلسطيني من ناحية ، واشارة الى إدراك ‏اسرائيلي وقناعة تامة بغياب رد فعل عربي واسلامي. لاشك أن اسرائيل اجتازت مرحلة خرق القوانين الدولية ‏والنقاشات المسدودة حول مسار سلام غائب ووصلت الى مرحلة ارساء واقع جديد لن يتم ترسيخه من وجهة ‏النظر الصهيونية الدينية التي تحكم اسرائيل إلا بتأطير الصراع دينيًّا. ولم يكن رفع العلم الاسرائيلي فوق ‏الحرم الابراهيمي في الخليل من قبل المستوطنين وقوات الاحتلال اعتباطيا ، كذلك دعوة عضو الكنيست ‏المتطرف ايتمار بن غفير بأن الوقت مناسب لبناء كنيس داخل الاقصى ضرب من خيال عقل مريض . أو ‏النفي المسبق والمتكرر من رئيس حكومة الكيان نفتالي بينيت نية الشروع في مفاوضات لاقامة دولة ‏‏"ارهاب" ــــــــــ حسب قوله ــــ هي مسألة تتعلق بالحسابات السياسية والمحافظة على الائتلاف الحاكم داخل ‏اسرائيل. ‏
في الماضي وخلال تاريخ الصراع، حظي المتطرفون اليهود برعاية سياسية حكومية لاقتحاماتهم ودعم ‏نشاطهم لباحات الأقصى في ظل انتقادات متصاعدة من الجانب العلماني الاسرائيلي، وكان ينظر اليهم ‏على انهم عقبة في مسار السلام. في السنوات الأخيرة وتحديدا منذ العام 2003 منحت اسرائيل المتطرفين ‏المستوطنين حق الدخول الى الاقصى عبر باب المغاربة ، وفي كل عام كانت تزداد الاعداد والاستفزازات . ‏ولقد صاحبت هذه الرعاية الحكومية الرسمية للتطرف اليهودي دعماً مؤسساتيًّا لا محدود من قبل النخبة ‏الاسرائيلية حتى تصاعدت قوتهم التنظيمية والسياسية، وزاد تأثيرها في هياكل الحكومة ليصبحوا أكبر قوة ‏سياسية تسيطر على المشهد لا يمكن تجاوزها بتاتا، فهي اليوم تشكل مسار السياسة الاسرائيلية الحالية ‏والمستقبلية عبر حكومة منتخبة. وبعد أن كانوا أحد اسباب الصراع على الأرض باتوا اليوم في مكان ‏لتشكيل مستقبله الديني. ‏
القدس هي لب الصراع والهدف، والمشروع الصهيوني للسيطرة على المدينة المقدسة عبر إجراءات ‏وسياسات تمييزية وتطهير عرقي لسكانها الفلسطينيين، يبدو أنه وصل الى جزئه الحاسم، فالدين الذي لم ‏يكن أبداً سبباً ولا عائقاً للحل، تريد اسرائيل اليهودية الآن تقديمه كسبب وكعائق.‏
‏ تأطير الصراع دينيا مصلحة اسرائيلية ، لأنه يجعل الصراع القائم حول الأرض القابلة للقسمة والحقوق ‏العادلة غير قابل للحل والاحتلال مفيد لضمان الأمن، فالقيم المقدسة لا تخضع للتفاوض ولا للقوانين الدولية ‏ولا للضغوطات ولا للتقسيم بل سيكون هناك ضحية للتباكي عليها والتعاطف معها. وباستفزاز الفلسطينيين ‏ومشاعرهم في ظل حالة القهر التي يعيشون بها، فإن نار العنف ستشتعل وسيجد العالم نفسه مجروراً الى ‏جدليات محرقة جديدة على ايدي المسلمين بناء على ادعاءات اسرائيل، ومعظم الأصوات العالمية التي ‏تنادي بحل سياسي عادل ستصمت خوفا من نيران الحرب المقدسة التي ستدور حول سؤال دون إجابة: من ‏له الحق الالهي على هذه الأرض؟