من لورانس إلى يحيى السنوار … وما بينهما أيضاً

-شقور-e1577370629473.jpeg
حجم الخط

بقلم عماد شقور 

 

يعيش العالم بأسره في هذه المرحلة، أياماً وأسابيعَ حافلة بتطورات سياسية بالغة الأهمية، وحافلة بأحداث عنيفة، دموية، متفجّرة ومتلاحقة، لها، بكل تأكيد، انعكاسات مباشرة على كل شعوب ودول العالم، تتغيّر خلالها الإصطفافات والتحالفات، ويتشكّل فيها نظام عالمي جديد، على أنقاض نظام عالمي يلفظ انفاسه الأخيرة.
وإذا كنّا كأمّة عربية، بشكل عام وشامل، وكشعب فلسطيني، بشكل خاص، الخاسرين الأكبر على مدى القرن الماضي، والعِقدين الأوّلين من القرن الحالي، بكل ما تخلّل هذه السنين العديدة من حروب، ومن إعادة ترسيم الحدود الجغرافية لمحو إمبراطوريات ودول عريقة، وإنشاء إمبرا طوريات ودول جديدة، فإن الضمان الوحيد لأن لا نكون خاسرين في عالم الغد، الذي يتشكّل هذه الأيام، هو تحسين أدائنا، كدول وشعوب عربية، وتعلّمنا واستيعابنا لدروس التاريخ الحديث، الذي أوصلنا أداؤنا الركيك خلاله الى ما نحن فيه من هوان وتخلُّف، جرّاء تشرذم وتقاتل في حروب أهلية عربية، (داخل العديد من الدول العربية، والعديد من الحروب بين دول عربية شقيقة لبعضها البعض).
رغم كل هذا الواقع المُّر الذي عشناه على مدى قرن ونيّف، فإن تباشير الأسابيع القليلة الماضية، (منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، تحديداً) تفتح باباً للأمل، يمكن لنا أن نلخّص دوافعه في خمس نقاط محدّدة:
1ـ صمود المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتّحدة، وقطَر، في وجه الضغوط الأمريكية لزيادة ضخ البترول والغاز، لإلحاق الضرر بالاقتصاد الروسي، وتأكيد التزام هذه الدول العربية بقرارات «أوبك+».
2ـ توقيع قرار «هدنة الشهرين» للحرب على وفي اليمن، ابتداءً من بداية شهر رمضان الماضي.
3ـ زيارة عدد من وزراء خارجية الدول العربية لموسكو..ولكييف أيضاً.
4ـ خطاب قائد حركة»حماس» في غزّة، يحيى السنوار، و«مغازلة» حركة «فتح» بتضمينه فقرة عن «1111» قذيفة صاروخية، وما كشفه عضو في حركة حماس أنّه تخليداً وتكريماً لتاريخ استشهاد قائد «فتح» الرمز الفلسطيني الخالد، ياسر عرفات، يوم 11.11 سنة 2004، وما في ذلك من إيحاءات مفهومة.
5ـ زيارة وزير الخارجية الروسية، سيرجي لافروف للجزائر، وهي أول زيارة لمسؤول روسي، بهذا المستوى، الى أي دولة منذ اندلاع «حرب أوكرانيا» (إذا استثنينا رحلته الى تركيا لـ«لقاء تفاوضي» مع وزير خارجية أوكرانيا).
6ـ زيارة الشيخ تميم اليوم لإيران، وما قد توحي به من إمكانيات لتوافق عربي إيراني، لتخفيف التوتّر القائم، وغير المبرّر، للعلاقات العربية الإيرانية، والعلاقات السّنيّة الشّيعيّة.
لكن، ورغم كل هذا التفاؤل، لا بُدّ من تسجيل الملاحظات، والتذكير بها، لإخوتنا واشقائنا الأقرب في الجزائر، من دروس التاريخ، التي يجب علينا التذكير بها، في ضوء الزيارة واللقاءات التي أجراها وزير الخارجية الروسي لافروف في الجزائر، وما رشَح منها إلى وسائل الإعلام:

يعيش العالم بأسره في هذه المرحلة، أياماً حافلة بتطورات سياسية بالغة الأهمية، وحافلة بأحداث عنيفة، دموية، متفجّرة ومتلاحقة، لها، بكل تأكيد، انعكاسات مباشرة على كل شعوب ودول العالم، تتغيّر خلالها الإصطفافات والتحالفات

1ـ نجح لورانس، (توماس إدوارد لورانس) في خداع الأمير فيصل، (لاحقاً الملك فيصل، إبن الشريف حسين بن علي) وتحريضه على مقاومة الإمبراطورية العثمانية، والتحالف مع بريطانيا وحلفائها في الحرب العالمية الأولى، وكانت النتائج كارثيّة.
2ـ نجح الرئيس الأمريكي، فرانكلين روزفلت، (وهو في طريق العودة من مؤتمر يالطا، الذي شكّل علامة على انتهاء الحرب العالمية الثانية) في خداع الملك عبد العزيز آل سعود، مؤسس المملكة العربية السعودية الحديثة، وضاعت فلسطين.
3ـ نجح وزير الخارجية الأمريكي، هنري كيسنجر، في خداع الرئيس المصري، أنور السادات، وأخرج مصر من دائرة الصراع والقتال مع إسرائيل، العدو القومي والوطني.
4ـ لا بُدّ من تيقّظ وتركيز وانتباه، لضمان عدم الوقوع في «جحر» قومي ووطني لمرّة ثالثة.. و«لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين» (!!) فكيف من ثالثة؟؟؟.
لا يُعفينا كل هذا الكلام والشرح عن السياسة العالمية والعربية من العودة والتركيز والتخصيص للساحة الفلسطينية.
أوّل هذا الكلام مُوجّه لقائد حركة حماس في قطاع غزّة، السيّد يحيى السّنوار.
قال السيّد السّنوار، في خطابه الأخير: «أهلنا في الداخل المحتل، في النّقب، في المثلّث، في الجليل، في حيفا ويافا وعكّا والّلد، ليجهّز كل واحد عنده بندقيّة.. يطُخ.. أو يجهّز بلطته، أو سكّينه».. وبعد خمسة أيام من هذا الكلام أقدم الشابّان، أسعد يوسف الرِّفاعي (19 عاماً) وصبحي عماد أبو شقير، (20 عاماً) من سكّان قرية رمّانة، قضاء جنين، على تنفيذ عملية فدائية في مدينة إلعاد، التي أقامتها إسرائيل قبل سنين قليلة، بقُرب، وعلى أراضي قرية «راس العين» لحماية مطار الّلد، (الذي تطلق إسرائيل عليه اسم «مطار بن غوريون») ولحماية شركتها الوطنية الأولى للطيران، تحت اسم «شركة إلعال».
ماذا يمكن لمتابعٍ ومنصفٍ أن يقول؟
تقول إسرائيل، والإسرائيليون، إنها عملية همجيّة إجراميّة، استخدم فيها أسعد وصبحي البلطات والسكاكين! لكن ماذا عن أن ليس لدى الفلسطينيين أي سلاح مثل إسرائيل؟
هل نسي قادة إسرائيل أن ليس لدى الفلسطينيين لا دبّابات يحاصرون بها تل أبيب؟ ولا يملكون طائرات ولا صواريخ يدافعون بها عن حقوقهم وأرضهم؟.
عجيب هو أمر هؤلاء المحتلّين الإسرائيليين لـ88٪ من أرض فلسطين، والمستعمرين لـ22٪ من أرض فلسطين.
إن كان ولا بدّ من تلقين الإسرائيليين درساً من طبيعة وطبائع الحياة، فإني أُحيلهم الى درسٍ من الصحافة الإسرائيلية كما ورد صباح أمس (الأربعاء) في قناة التلفزيون الإسرائيلية الـ 12:
تقول تلك القناة التلفزيونية:
«توفي صباح اليوم، (الأربعاء، 11.5.2022) مزارع إسرائيلي، عن عمر يناهز الـ 86 عاماً من العمر، إثر إصابته بلسعات كثيرة من نحل، أصاب خليّتها ودمرها وهو يقود تراكتوره عكسيّاً.
حتى النحل، مصدر العسل الطبيعي الحلو اللذيذ في العالم، ورمز الحلاوة والطعم المميّز في الحياة، ينتفض ويقتل من يهدم بيته!.
أما آن للإسرائيليين أن يتّعظوا؟
لا بدّ من كلمة أخيرة:
أنا حزين لفقدان الصديقة، الصحافية المتميزة: شيرين أبو عاقلة… الرّب أعطى، والرب أخذ.. ليكن اسمك واسم الله مباركاً.