الصمود الرائع لأهل الوطن ومتطلباته

حجم الخط

بقلم صادق الشافعي

 

 

 

بالقياس الشعبي النضالي نحن نعيش حالة من الجاهزية ومعها الفاعلية التي تؤكد بوضوح ما بعده وضوح وبقوة وعمق ولا أعظم، نضالية شعبنا وعظمته ووحدته وتمسكه بأهدافه الوطنية المعلنة وإصراره على تحقيق هذه الأهداف وانتزاعها من بين أنياب العدو المحتل وكل من يسانده.
هذه الحالة ليست جديدة على شعبنا، بل هي متواصلة ومستمرة بأشكال وتعبيرات نضالية متنوعة منذ بداية المشروع الصهيوني وإقامة كيانه السياسي على ارض وطننا.
لكنها تتميز في الأشهر الأخيرة إضافة الى تواصلها، بزخم نضالي عملي مميز ومستمر لبضعة شهور وحول عنوان مركزي هو القدس ومقدساتها وفي المقدمة منها المسجد الأقصى.
والأهم ان هذا الزخم ظل موحداً وغاب عنه تماماً أي مظهر من مظاهر الخلاف بين الناس أهل الوطن أولاً وأساساً، وبين التنظيمات الفلسطينية التي تجاوبت بدرجة عالية ومسؤولة مع روحية الناس ووحدة رؤيتها وأدائها النضالي العظيم فالتحمت معها، وشاركت بإيجابية عالية وواسعة في كل نضالاتها.
وقد زاد هذا الزخم النضالي اشتعالاً وعنفواناً وشمولاً في الأيام الأخيرة حدث قيام قوات العدو المحتل باغتيال الإعلامية  شيرين أبو عاقلة، ابنة القدس المعروفة والتي دخلت كل بيت بوطنيتها وحماسها وتفانيها واتقانها لعملها وجرأتها. وهذا الزخم عبر عن نفسه أوضح تعبير في جنازتي أبو عاقلة والشريف.
للأسف، ومع الإقرار لها بالمشاركة، فلا يمكن القول ان الحالة بين التنظيمات الفلسطينية فيما بينها وفيما هو مطلوب منها، كان بنفس صورة الحالة الجماهيرية: سواء لجهة وحدتها، او لجهة البرنامج والهيئات السلطوية والأدوات التنفيذية والمواقف والعلاقات و..و..
فلم يحصل حتى الآن ان تحقق أي انجاز واقعي جدي باتجاه استعادة الوحدة الوطنية بتعبيراتها الأساسية المعروفة، والخروج النهائي والتام من حال الانقسام السلطوي والتنفيذي والبرنامجي، والشعبي ممثلاً في اتحاداته ونقاباته، ولا في مجال التحالفات.
ولا حصل حتى الآن ان خرجت دعوة جادة من أي تنظيم او جهة وطنية للتجاوب مع الحالة الوطنية النضالية الموصوفة والعمل الجماعي المشترك والمسؤول لتحقيق إنجازات وحدوية مهما كانت متواضعة على طريق الخروج الكلي من حال الانقسام.
إن مثل هذا العمل لا يقل بحال في وطنيته وضرورته عن الزخم النضالي الذي تخوضه جماهير شعبنا.
أما بالنسبة لدولة الاحتلال فهي وبانسجام مع طبيعتها الاحتلالية لا تعرف سوى طريق العدوان وأساليب العنف بكل وأقسى أشكاله للتعامل مع الحالة الجماهيرية الفلسطينية الموصوفة.
وهي في ذلك تبقى منسجمة مع طبيعتها اليمينية العنصرية التوسعية المتطرفة أولا، وتبقى إضافة الى ذلك، محكومة الى هدف بقائها واستمرارها بكل تناقضاتها، وبكل جو المزايدات الذي يسود بين الأطراف المكونة لها.
وكل هذه المزايدات تقوم على سياسات وبرامج ركائزها رفض التعامل مع الفلسطينيين الا من موقع الاحتلال الدائم، ورفض الاعتراف بأي سلطة فلسطينية والتعامل معها.
كما رفض القبول والتعاطي مع اي مشروع لحل سياسي من أي جهة أتى، والتسابق الى الدفع باتجاه الاستيلاء على المزيد من الأراضي الفلسطينية المحتلة وإقامة المزيد من المستوطنات، وصولاً الى التطاول على المقدسات الدينية واستباحتها، مسلمةً كانت او مسيحية.
مثل هذه الحكومة وطبيعة تكوينها واولوياتها لا تملك سوى العنف المفرط والفاشي في التعامل مع أي تحرك جماهيري يتصدى لها ويقف في وجه سياساتها وتوجهاتها.
تستفيد دولة الاحتلال في كل ما تقوم به من حال السكون الذي يسود الوضع الدولي في تعامله معها، فالساحة الدولية تخلو تقريباً من أي تحرك عملي ذي قيمة او تأثير يخص القضية الوطنية الفلسطينية تحسب له دولة الاحتلال أي حساب، سواء جاء هذا التحرك على شكل مبادرة حل دولية او على شكل قرار، او على شكل اعلان موقف يدين - او حتى يعترض على سياساتها الاحتلالية والقمعية.
ولا بد من الاعتراف أن أحد مسببات مثل هذا الحال للوضع الدولي، هو ضعف الوضع العربي وضعف فاعليته وتحركه الدولي، سواء جاء ذلك التحرك بمبادرة من دولة او دول عربية منفردة او من مبادرة جماعية تتبناها الدول العربية.
وهذا ما يضعنا امام واقع الكثير من الدول العربية المنشغلة حتى الاستغراق بذاتها ومشاكلها وانشغالاتها الداخلية التي تعطلها أو تمنعها عن المبادرة إلى أي دور: فردي أو جماعي أو من خلال جامعة الدول العربية.
في كل الأحوال والظروف يبقى مفتاح الوضع الفلسطيني وتطوره في يد الجماهير الفلسطينية المناضلة المنتفضة بكل قوتها وإمكاناتها وبكل استعداداتها للصمود وللتضحية.
وستبقى هذه الجماهير هي القادرة على فرض رؤاها وأهدافها، وربما قياداتها، على الجميع.