بين ابتسامة المسؤول وفرحة المواطن

حجم الخط

بقلم : الدكتور سعيد صبري- مستشار اقتصادي – شريك وممثل لصندوق دعم المشاريع الناشئة- فاستر كابتل –دبي

لقد تناقلت وكالات الأنباء مؤتمر بروكسل للمانحين، بصورة دولة رئيس الوزراء ومعالي وزير المالية والابتسامة تغمرهم ، مما عكس تفاؤلا على المواطنين في أنحاء الوطن ، وعكس رسالة أن الوفد الفلسطيني إستطاع أن يقنع الممولين بعودتهم لدعم الشعب الفلسطيني الذي يعاني من الشح بالتمويل ، وهذا سيعكس على الخدمات المقدمة للمواطن من تعليم، وصحة ، وخدمات اجتماعية. فهل رسالة الابتسامة عكست الواقع؟ أم هي الإبتسامة الدبلوماسية؟
لا نختلف في تشخيص المشكلة، من الواضح أن الاقتصاد الفلسطيني يعاني من تشوه في قطاعاته وأدائه، ويظهر هذا التشوه من خلال معدلات النمو الضئيلة، وضعف القاعدة الإنتاجية، والتحول نحو الاستهلاك، إضافة إلى فقد القدرة على توليد فرص عمل جديدة، ثم التضخم غير المبرر في الجهاز البيروقراطي ، والذي يستهلك 50% من الدخل الشهري للسلطة، حيث بلغ عدد الموظفين بوظيفة عمومية قرابة 141 ألفا بين مدني وعسكري، بمتوسط فاتورة رواتب شهرية 550 مليون شيكل (173.5 مليون دولار). ويبلغ متوسط أموال المقاصة بعد الخصومات الإسرائيلية 700 مليون شيكل (220.8 مليون دولار)، شهريا، وتشكل قرابة 63 بالمئة من الدخل الشهري للحكومة.
من مطالعتي لما نشر حول التحضيرات والملفات والبنود التي قام الوفد بحملها الى بروكسل، فقد احتوت خطة اصلاح شاملة بالقطاعات الإدارية والمالية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية ، فلم اجد ما يوضح اهمية تعزيز القطاع الصناعي والانتاجي والظروف الملائمة في القطاعات المؤثرة والمتشابكة معه، وهي قطاعات تتشابك أمامياً وخلفياً مع قطاع الصناعة، وتوفير السياسات الحكومية التى تجعل من القطاع الصناعي القاعدة الرئيسية في حل مشاكل البطالة المتفاقمة. إلى مشكلة العجز عن تأهيل الأيدي العاملة الفلسطينية للعمل في تطوير الاقتصاد الفلسطيني المحلي.

باعتقادي ما نسميه اليوم "خلل بالتركيبة" هو حقيقة يسمى سياسة "الخنق الاقتصادي" الإسرائيلية في ظل غياب تمثيل سياسي فلسطيني متماسك، وما علينا الا انكسر هذا الخنق بتعزيز القطاعات الواعدة بالاقتصاد والاعتماد على الذات ، فإن القطاع الزراعي الفلسطيني بحاجة ماسة الى نهضة ، يعتبر القطاع الزراعي "قضية أمن قومي فلسطيني"، وذلك لاهميتة بتأمين الاحتياجات الغذائية للمواطنين الفلسطينيين، وعلى الجانب الآخر؛ يمثل من أهم المدخلات في أنشطة الصناعات الغذائية ذات المساهمة الأكبر في ناتج الصناعة الفلسطيني. في حين شهدنا تراجع واضح بمساهمة الزراعة في الناتج الإجمالي المحلي خلال الاعوام العشرة الماضية، وهذا يشكل مؤشر واضح على ضعف في السياسات الهادفة لنمو هذا القطاع الواعد والمهم، إن الفرص الكامنة المتاحة للاستفادة منها تعتبر مرتفعة، وغير محدودة في حال كانت هنالك سياسات وآليات متوازنة تتيح أكبر قدر من الاستفادة، ومع وجود تحديات من قبل الاحتلال بالسيطرة على منطقة "ج" الا ان الاستفادة منها في القطاع الزراعي مهمة وطنية ليست معقدة، بل بحاجة الى آليات حكومية وسياسات تدعم ونعزز الاستثمار بتلك المناطق التى تعد الاكبر من حيث الحجم والمعرضة من قبل الاحتلال للمصادرة وبناء المستوطنات. كما يجب علينا ان نعزز مشاريع الريادة والابتكار في مجال الزراعة "الزراعة الذكية"، والتوسع في استخدام تقنيات مثل الزراعة المعلقة والمائية، وتقنيات أخرى، تساهم في رفع الإنتاجية وتقليل التكاليف. وفتج اسواق عالمية للمنتجات الزراعية للتصدير الحاصلات الزراعية نحو العالمية . هنا نحن بحاجة الى استقطاب مسثمريين، هنا بحاجة لخلق تصورات عملية مع جدوى اقتصادية لدعم القطاع، وهنا بجب خلق السياسات الداعمة، بتوفير البنية التحتية المناسبة وتجنيد الدعم الحكومي.

ولاصلاح "الخلل بالتركيبة" او لكسر "الخنق الاقتصادي" علينا دعم قطاع الانشاءات والترابطات معه، إن ما يميز قطاع الإنشاءات الفلسطيني بوجود كفاءات عالية محلية من أصحاب الشركات والعمال المهرة، والذين اكتسبوا الكثير من الخبرات والمهارات بتقاطعهم مع نظرائهم الاسرائيليين، واستفادتهم من التقنيات المتاحة هناك. ويساهم هذا القطاع جوهريا في النمو الاقتصادي والقيمة المضافة والعمالة التي تتمتع بأعلى متوسط للأجور. ويستطيع هذا القطاع تعزيز الاستثمار والطلب الفعال ويتضمن طلبا كامنا عاليا، وذلك على الرغم من التشوهات والمشاكل الهيكلية الناجمة عن الارتباط القسري طويل الامد للاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد الاسرائيلي ساهم قطاع الإنشاءات في حوالي 26% من الناتج الإجمالي المحلي في فلسطين، وهي نسبة متقدمة ساهمت في ذلك الوقت بتطوير البنية التحتية في فلسطين بشكل عام، وقد انحفضت النسبة لتصل الى 5,5% فمن المسؤول عن اضعاف هذا القطاع الواعد؟، بالرغم أن فلسطين تمتاز بالقدرة على إنتاج الكثير من المنتجات لهذا القطاع مثل الاسمنت "اذ يقدر حجم الطلب السنوي 2.5 مليون طن"، والاحجار الملونة عالية الجودة، اي ان المواد الخام متاحة وتحقق ميزة تنافسية لمثل هذة المنتجات، بالإضافة إلى توفر الأيدي العاملة الماهرة ولذلك يعد الإستثمار في قطاع الانشاءات مجدي مقارنة بدول الجوار. ويمكن إعادة تعزيز لهذا القطاع الواعد بإعادة تأهيل البنية التحتية المادية (شبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي والطرق).

أما المحور الثالث فهو السياسات المالية علينا العمل على تطوير الإطار السياساتي الموجه للقطاع المالي والمصرفي نحو مزيد من التسهيلات لقطاع الأعمال، وللشركات الريادية خاصة. إيجاد بدائل تمويلية للأنشطة الاستثمارية، مع ضمان أقصى قدر من السهولة للتحويلات الخارجية.التوسع في سياسة الشمول المالي لتعزيز مبادئ الحوكمة، ما يعني التخلص تدريجياً من الأنشطة الاقتصادية غير الرسمية، والحد من التهرب الضريبي.
أما القطاع الاقتصادي فعلينا أن نتبنى سياسة خارجية فعالة مبنية على طرح افكار جديدة للمانحين تستند بالاساس على استقلالية القطاع الاقتصادي وبناء مكنون اقتصادي قوي تفعيل الديبلوماسية الفلسطينية نحو خدمة الاقتصاد الفلسطيني.الاستفادة من التكتلات الاقتصادية العالمية (ميزات تجارية، مواجهة السياسات الإسرائيلية)، تحسين القدرة على التفاوض. والعمل على توفير البنية القانونية والفنية للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، والتركيز نحو العمق العربي بوضع السياسات الاقتصادية الموجهة نحو الدول العربية، والتى تستند إلى رؤية سياسية نحو تحقيق مصالح مشتركة. فهل نستطيع ان نعمل ذلك ؟
وإنني أرى ان النظرة الاستراتيجيه التى جاءت باليوم الاول للإستلام الحكومة من قبل دولة رئيس الوزراء والتى تمثلت بالسعي إلى بناء اقتصاد مقاوم ذي قاعدة إنتاجية قوية، هذا ما سيثلج صدر المواطن الفلسطيني وهذا ما سيقراة المواطن بفرحة وابتسامة تفاؤل. وماعليكم إلا البدء بمعالجة الأسباب الداخلية التي تعيق ذلك، ومن أهمها أزالة لتلك التشوهات بالهيكل الاقتصادي الوطني وكسر حالة الإختناق الإقتصادي، الذي يحد، بشكل رئيسي، من قدرة الاقتصاد الفلسطيني على تحقيق الأهداف المرجوة منه بتوليد فرص عمل عبر القطاع الخاص، والعمل كرافعة لمواجهة السياسات الإسرائيلية، كبديل للمانحين.