يشهد قطاع الإنترنت والاتصالات بشكلٍ عام في غزة حالة تدهور غير مسبوقة واحتكار يُثقل كاهل الغزيين الذين يُعايشون الحرب ومرارتها منذ نحو عامين، حيث تستغل الشبكات المحلية جيوبهم وتُرغمهم على دفع مبلغ 2 شيكل على الأقل لساعات محدودة للهاتف الواحد يومياً.
الإنترنت في قطاع غزّة مصدره الوحيد هو شركة الاتصالات الفلسطينية منذ بدء العدوان الإسرائيلي في أكتوبر 2023، وبعد أنّ كان الإنترنت متوفر في كل منزل في ظل الاحتياج الشديد له إما للدراسة أو التواصل مع الأهل أو العمل، بات محصوراً في شبكات محلية تستغل الاحتياج الملح لهذه الخدمة.
وكالة "خبر" الفلسطينية للصحافة أجرت بحثاً مطولاً في هذا الملف والتقت بقطاعات مجتمعية مختلفة بينها "رجال أعمال وطلاب ومواطنين"، حيث عبروا عن سخطهم من سوء وتردي الخدمة في قطاع غزة، والتي رغم ترديها تشهد استغلالاً كبيراً لجيوبهم في ظل احتياجهم الشديد لها.
رجال الأعمال "ف.د" وهو صاحب مصنع، يقول: "منذ بدء الحرب ونحن نعاني من تردي خدمة الإنترنت في قطاع غزة، هذا كله يُضاف إلى الاستغلال الكبير، حيث أضطر لدفع مبلغ يقدر بنحو 20 شيكل يومياً على الأقل لمطالعة الأخبار فقط".
وأضاف: "ببساطة أحتاج يومياً لشراء بطاقات الإنترنت لهواتف العائلة بسعر 2 شيكل للبطاقة الواحدة وهو الأمر المكلف والمرهق عدا عن تردي الخدمة وفصلها بشكل مستمر، وكل ذلك يُضاف إلى طلب قيمة البطاقات بالنقود الحديدية فقط وهي تشهد أزمة كبير وحادة".
وأكمل: "صاحب الشبكة دائماً ما يعلل أنّه يحتاج إلى النقود الحديدية من أجل تقديمها للجهة المزودة للخدمة، وبالتالي أقوم بشراء سلع أخرى لأقوم بتوفير النقود الحديدية وشراء بطاقات الإنترنت المهمة بالنسبة لي ولكل مواطن".
أما الطالب في الدراسات العليا "و.م"، أوضح أنَّه لا يتمكن من متابعة دراسته الجامعية العليا بسبب سوء الإنترنت وتردي الخدمة في قطاع غزة، عدا عن غلاء الأسعار، حيث ترفض شركة الاتصالات الوحيدة المزودة للخدمة مد خطوط الإنترنت حالياً وكذلك ترفض الشسبكات منح خطوط منزلية، حيث يُعلل صاحب الشبكة هذا الرفض بعدم إتاحة هذه الخدمة من قبل الشركة المزودة.
وتابع: "نحن نعاني من تردي خدمة الإنترنت عدا عن الاستغلال الواضح، حيث أضطر للتوجه لإحدى الكافيهات للحصول على الإنترنت وتقديم الامتحانات ومتابعة المحاضرات، وهو الأمر المكلف مادياً والذي لا يستطيع تحمله أحد".
السيدة "و.ن" لم يختلف معها الأمر كثيراً حيث بيّنت أنّها بحاجة لشراء نحو 7 بطاقات يومياً لها ولأفراد أسرتها، من أجل التواصل مع باقي أفراد عائلتها خارج قطاع غزّة وأيضاً لدراسة أبنائها الجامعية والمدرسية في ذات الوقت، وهو الأمر المكلف.
وأردفت: "نحن نعيش الاستغلال من كل الجوانب، فلا تكفي المجاعة وسوء الأحوال المادية، لتصبح مشكلة الإنترنت إحدى أهم المشكلات التي نواجهها يومياً، ونتعرض للاستغلال من قبل الشبكات التي تتحجج بأنها توفر الخدمة بالشراكة مع شركة الاتصالات".
"ح. ش" وهو صاحب شبكة محلية في جنوب قطاع غزّة، رأى أنّ الغلاء في الأسعار سببه شركة الاتصالات التي تزودهم بالخدمة بالشراكة وفق نسبة 50% للشركة و50% لصاحب الشبكة الذي يتحمل تكاليف عالية من كهرباء وصيانة وعمال وبرمجة، وبالتالي لا يتبقى له سوى الفتات.
واستدرك: "نحن لا نحصل على الأموال كاملةً لنا، بل تُقسامنا شركة الاتصالات وهي من تقوم بطباعة أوراق الإنترنت وتعطينا إياها لنبيعها بشيكل أو 2 لكل 8 ساعات للبطاقة الواحدة، في حين أنها كانت تحصل في السابق على مبلغ شهري يقدر بـ150 دولار أمريكي شهرياً، لكن في ظل الحرب أصبحت الشركة تعمل بنظام يُسمى مبادرة حيث تُقسامنا شركة الاتصالات بكل الإيرادات".
وكالة "خبر" لاحظت في الآونة الأخيرة وخصوصاً في مدينة غزة، توجه بعض الشبكات لنقل كل مقدراتها باتجاه جنوب قطاع غزة، وحاولت التواصل مع صاحب الشبكة والذي رفض الإجابة، لكنه أجاب بطريقة ضمنية بأنه تم الاتفاق مع الشركة على نقل الخط للعمل في الجنوب بسبب خطورة الأوضاع في المدينة، وهو الأمر الذي أدى لعزل السكان في مدينة غزة عن العالم بسبب غياب خدمة الإنترنت عنهم وحجبها جراء غياب الوسيط بين شركة الاتصالات والمواطن أي صاحب الشبكة".
وبعد التواصل مع شركة الاتصالات أوضحت أنه ليس بمقدورها منع صاحب الشبكة من الانتقال للعمل في جنوب القطاع بسبب خطورة التواجد في مدينة غزة، مُشيرةً إلى أنها مزود للخدمة ولا تمنع الانتقال داخل غزة، على الرغم من رغبتها باستمرار العمل في مدينة غزة.
ولفت ممثل الشركة في اتصال هاتفي مع مراسل وكالة "خبر"، إلى أنَّ شركة الاتصالات تزود الشبكات بالإنترنت وهي طرف مزود ولا تحدد له أماكن وجودها.
ووقد تم نقل حديث الشركة لصاحب الشبكة أثناء عمله على تفكيكها، فأجاب: "كان بالإمكان تقديم تسهيلات لنا مثل وقف اقتطاع نصف الإيرادات من أجل تعزيز وجودنا في مدينة غزة، لكن لذلك لم يحدث وبالتالي أنا أقوم بتفكيك الشبكة خوفاً من الانتقال المفاجئ وترك كل مقدرات الشبكة خلفي".
وكالة "خبر" مستمرة لبحث تفاصيل الملف وتعمل على فتح وكشف المزيد من الخيوط التي من شأنها التوضيح للمواطن والقارئ عن أسباب الاستغلال اليومي في تقديم خدمة الإنترنت، حيث ستعرض في تحقيق لاحق تفاصيل أوفى عن الملف.